قال رحمه الله تعالى:[والفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة يُنهى عنه، كما نُهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة لما في ذلك من المفسدة الراجحة، وهو التشبه بالمشركين الذي يفضي إلى الشرك، وليس في قصد الصلاة في تلك الأوقات مصلحة راجحة؛ لإمكان التطوع في غير ذلك من الأوقات.
ولهذا تنازع العلماء في ذوات الأسباب فسوغها كثير منهم في هذه الأوقات، وهو أظهر قولي العلماء؛ لأن النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، وفعل ذوات الأسباب يحتاج إليه في هذه الأوقات ويفوت إذا لم يُفعل فيها فتفوت مصلحتها، فأبيحت لما فيها من المصلحة الراجحة، بخلاف ما لا سبب له فإنه يمكن فعله في غير هذا الوقت فلا تفوت بالنهي عنه مصلحة راجحة، وفيه مفسدة توجب النهي عنه].
هذه المسألة فصّلها شيخ الإسلام أكثر من مرة في كتبه، وهي مسألة أوقات النهي، والذي يحضرني أنه قسّمها في بعض المواضع إلى قسمين: فنحن نعرف أن أول أوقات النهي يبدأ من صلاة الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس قيد رمح على الراجح، فـ شيخ الإسلام قال: إن هناك وقت تحريم قاطع ووقت نهي، وقت التحريم القاطع هو أثناء طلوع الشمس يعني مثلاً عشر دقائق التي تطلع فيه الشمس فهذه يرى أنها محرمة قطعاً حتى مع ذوات الأسباب؛ لأن الدقائق المعدودة التي يمكن التأني فيها، فمثلاً إنسان دخل المسجد وعرف أنه بقي على طلوع الشمس عشر دقائق فلينتظر قليلاً؛ لأن وقت الطلوع فيه نهي شديد، لأن النهي ورد على حالتين: أثناء الطلوع والنهي المطلق ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، أما وقت الزوال فكله وقت نهي، وهو قصير جداً ليس بطويل، فيبدو لي أن شيخ الإسلام يجعل الصلاة فيه محرمة حتى ذوات الأسباب، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس، لكن النهي عنها أثناء الغروب شديد وتعتبر الصلاة فيه محرمة؛ لأنه هو الوقت الذي تعلّق في نفوس المشركين وعباداتهم.
فإذاً النهي على نوعين: وقت النهي فيه مطلق، وفيه نهي شديد محرم، وهو أثناء الطلوع وأثناء الغروب وأثناء الزوال أما ما سوى ذلك من الأوقات التي هي أوقات نهي فالأمر فيها كما قال: يجوز فعل ذوات الأسباب، وإن كانت المسألة خلافية.
وبعض المشايخ يقولون: إن وقت الزوال عشر دقائق، وبعضهم يقول: ربع ساعة.
وقرص الشمس لا يستمر في الزوال ثلاث دقائق، كما أنه عندما يطلع جميع القرص لا يستغرق ثلاث دقائق ولكن أقل، وكذلك ما بين بداية ارتكاز قرص الشمس على المغيب إلى أن يغيب جميع القرص أقل من ثلاث دقائق، لكن ما قبل ذلك بدقائق وما بعده بدقائق محسوب؛ لأن المسألة نسبية، فقد سمعت من بعض مشايخنا أنه قال: إن وقت النهي الشديد ربع ساعة أو عشر دقائق، والأرجح أنه في حدود العشر، والمسألة نسبية.
وإذا أراد أن يتنفل الإنسان يوم الجمعة في أثناء الزوال فالأولى أن ينتظر دقائق حتى وإن كان في المسجد، ولكن لا يجلس بل ينتظر دقائق، هذا هو الأولى وإلا الصلاة أثناء الزوال فيها نهي شديد.