[بيان ما يقصد بإتيان القبر النبوي وسد ذرائع البدع]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا قبري عيداً).
قال: ومن كتاب أحمد بن شعبة فيمن وقف بالقبر: لا يلتصق به ولا يمسه ولا يقف عنده طويلاً.
وفي العتبية -يعني: عن مالك - يبدأ بالركوع قبل السلام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأحب مواضع التنفل فيه مصلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث العمود المخلق، وأما في الفريضة فالتقدم إلى الصفوف، قال: والتنفل فيه للغرباء أحب إلي من التنفل في البيوت.
فهذا قول مالك وأصحابه، وما نقلوه عن الصحابة يبيّن أنهم لم يكونوا يقصدون القبر إلا للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء له، وقد كره مالك إطالة القيام لذلك، وكره أن يفعله أهل المدينة كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه، وإنما يفعل ذلك الغرباء ومن قدم من سفر أو خرج له، فإنه تحية للنبي صلى الله عليه وسلم.
فأما إذا قصد الرجل الدعاء لنفسه فإنما يدعو في مسجده مستقبل القبلة كما ذكروا ذلك عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك عند القبر، بل ولا أطال الوقوف عند القبر للدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بدعائه لنفسه؟ وأما دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب الحوائج منه وطلب شفاعته عند قبره أو بعد موته فهذا لم يفعله أحد من السلف، ومعلوم أنه لو كان قصد الدعاء عند القبر مشروعاً لفعله الصحابة والتابعون، وكذلك السؤال به، فكيف بدعائه وسؤاله بعد موته؟ فدل ذلك على أن ما في الحكاية المنقطعة من قوله: استقبله واستشفع به، كذب على مالك، مخالف لأقواله وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم التي يفعلها مالك وأصحابه ونقلها سائر العلماء، إذ كان أحد منهم لم يستقبل القبر للدعاء لنفسه فضلاً عن أن يستقبله ويستشفع به، يقول له: يا رسول الله اشفع لي أو ادع لي، أو يشتكي إليه مصائب الدين والدنيا، أو يطلب منه أو من غيره من الموتى من الأنبياء والصالحين أو من الملائكة الذين لا يراهم أن يشفعوا له، أو يشتكي إليهم المصائب، فإن هذا كله من فعل النصارى وغيرهم من المشركين ومن ضاهاهم من مبتدعة هذه الأمة، ليس هذا من فعل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ولا مما أمر به أحد من أئمة المسلمين، وإن كانوا يسلّمون عليه إذ كان يسمع السلام عليه من القريب ويُبلّغ سلام البعيد].
نقف عند هذا؛ لأنه ورد في هذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن الله يبلّغه سلام البعيد والقريب، وهذا سيأتي ذكره فيما بعد، والله أعلم.