للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاختلاف في الدعاء بـ (أسألك بمعاقد العز من عرشك)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [مع أن هذا الدعاء الثالث، في جواز الدعاء به قولان للعلماء.

قال الشيخ أبو الحسين القدوري في كتابه المسمى بشرح الكرخي: قال بشر بن الوليد سمعت أبا يوسف قال: قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به].

يعني إلا بالله عز وجل.

قال رحمه الله تعالى: [وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك أو بحق خلقك.

وهو قول أبي يوسف، قال أبو يوسف: معقد العز من عرشه هو الله].

إذاً هذا تفسير لمعقد العز على أن المقصود به مواطن العز المتعلقة بأفعال الله، أو المقصود بها أفعال الله تجاه العرش، وهذا أمر غامض لا ندري ما المقصود به فلذلك كرهه هؤلاء الأئمة أبو حنيفة وأبو يوسف.

قال رحمه الله تعالى: [قال أبو يوسف: معقد العز من عرشه هو الله فلا أكره هذا، وأكره أن يقول: بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت والمشعر الحرام.

قال القدوري: المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، فلا يجوز يعني وفاقاً، وهذا من أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما يقتضي المنع أن يُسأل الله بغيره].

أبو يوسف حينما فسّر معقد العز من العرش ما يتعلق بالله عز وجل أجازه، لأنه فسّره بمعنى يتعلق بالله، يعني بصفة الله عز وجل أو بفعل الله، فأجازه لأنه سؤال بالله، لكن ومع ذلك يبقى كما قلت: معقد العز يحتمل أن يقصد به المخلوق وليس الله عز وجل؛ لأن المعقد هو الموطن أو المحك، أو الفعل وهذه كلها محتملة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا من أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما يقتضي المنع أن يُسأل الله بغيره، فإن قيل: الرب سبحانه وتعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته، وليس لنا أن نُقسم عليه إلا به، فهلا قيل: يجوز أن يُقسم عليه بمخلوقاته، وأن لا يُقسم على مخلوق إلا بالخالق تعالى؟ قيل: لأن إقسامه سبحانه بمخلوقاته من باب مدحه والثناء عليه وذكر آياته، وإقسامنا نحن بذلك شرك إذا أقسمنا به لحض غيرنا أو لمنعه أو تصديق خبر أو تكذيبه.

ومن قال لغيره: أسألك بكذا؛ فإما أن يكون مقسماً فهذا لا يجوز بغير الله تعالى، والكفارة في هذا على المقسم، لا على المقسم عليه، كما صرح بذلك أئمة الفقهاء، وإن لم يكن مقسماً فهو من باب السؤال، فهذا لا كفارة فيه على واحد منهما.

فتبين أن السائل لله بخلقه إما أن يكون حالفاً بمخلوق، وذلك لا يجوز، وإما أن يكون سائلاً به، وقد تقدم تفصيل ذلك.

وإذا قال: بالله افعل كذا، فلا كفارة فيه على واحد منهما، وإذا قال: أقسمت عليك بالله لتفعلن أو والله لتفعلن فلم يبر قسمه لزمت الكفارة الحالف، والذي يدعو بصيغة السؤال فهو من باب السؤال به.

وأما إذا أقسم على الله تعالى مثل أن يقول: أقسمت عليك يا رب لتفعلن كذا، كما كان يفعل البراء بن مالك وغيره من السلف، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره).

وفي الصحيح أنه قال، لما قال أنس بن النضر: (والذي بعثك بالحق لا تُكسر ثنية الربيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنس، كتاب الله القصاص فعفا القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره).

وهذا من باب الحلف بالله لتفعلن هذا الأمر، فهو إقسام عليه تعالى به، وليس إقساماً عليه بمخلوق.

وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة، فإن ذلك لا ريب في فضله وحسنه، وأنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً].