[استدلال السلف بالآثار الضعيفة على الأصول إنما هو من باب الاعتضاد]
هذه تذكرنا بأصل عند السلف، وهذا الأصل يجهله كثير من أهل الأهواء، وقد أثاره بعض المفتونين في أيامنا هذه، حيث ادّعى أن السلف أهل السنة والجماعة في كتبهم وفي مصنفاتهم المعتمدة في العقيدة خاصة كتب الآثار والسنن المطولة أنهم يحشون كتبهم بالأحاديث الضعيفة والروايات التي لا أصل لها، فهذا المفتون ومن تأثر بمقولته ربما يعلمون أنها في الصحيح، لكن أرادوا إثارة الفتنة ظنوا أن السلف يتساهلون في أخذ الدين عن غير المصادر النقية، وأنهم يجوزون الاستدلال بما لا يصح من الموضوع والضعيف، وهذا جهل من بعض الذين تابعوا هذه المقولة، وتجاهل من الذي أثارها؛ لأني أظنه يعرف ذلك.
أما السلف رضي الله عنهم فلا يعتمدون في أصل من أصول الدين، ولا في قضية قطعية، ولا في حكم قطعي، ولا في مسألة من المسائل التي عليها جمهورهم على دليل ضعيف أبداً، وكل ما عُد من أصول الدين ومن المسائل القطعية يستند على دليل صحيح، إما آية وإما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وإما من قاعدة شرعية تعتمد على عدة نصوص أو إجماع كل ما كتبه السلف في أصول الدين يعتمد على هذا النهج في الاستدلال، ليس عند السلف من مناهجهم شيء يعتمد على دليل ضعيف أو لم يثبت، لكن بعد استدلالهم على كل مسألة بالدليل الثابت من القرآن والسنة قد يحشدون الآثار الضعيفة، من باب الاعتضاد لا من باب الاعتماد.
ومعروف أن الآثار الضعيفة قد تكون أكثر من الصحيحة، كما فعل الآجري وكما فعل عبد الله بن الإمام أحمد، وكما فعل اللالكائي وابن خزيمة وغيرهم من الأئمة قديماً وحديثاً حيث يستدلون على المسألة بدليل صحيح أو دليلين أو ثلاثة أو أربعة، ثم يحشدون عشرات الأدلة الضعيفة، فيظن هذا الجاهل أن هذا الحشد هو الدليل، وليس الأمر كذلك، فهم من عادتهم إذا توثقوا من المسألة الشرعية بدليلها أن يحشدوا الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت ضعيفة ما دام الأصل صحيحاً، ثم الآثار عن الصحابة وعن التابعين، بل وحتى الأشعار والمنامات، فهذا من باب الاعتضاد لا من باب الاعتماد.
ومع ذلك كما قال الشيخ لا يستدل أحد من الأئمة بدليل يرى أنه موضوع، لكن كثيراً من الحديث الضعيف هو بمنزلة الحسن فيستدلون به للاعتضاد لا للاعتماد، وإنما كررت هذه المسألة لأنها ظهرت الآن بمذكرات وبمقالات نشرت وشاعت بين طلاب العلم من قِبل أحد المفتونين الذي بدأ ينهش لحوم السلف كما نهج أسلافه، وحسبنا الله ونعم الوكيل!