للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استدلال المجيزين للتوسل الشركي بالرأي والذوق والرد عليهم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكثير من الناس يذكرون في هذه الأنواع من الشرك منافع ومصالح، ويحتجون عليها بحجج من جهة الرأي أو الذوق، أو من جهة التقليد والمنامات ونحو ذلك].

يقصد ما يفعله المبتدعة والذين يقعون في البدع والشركيات من الاستعانة بغير الله عز وجل والاستغاثة والاستشفاع بالأحياء وبالأموات وبالأشجار والأحجار والمشاهد والآثار، والذين يعولون في هذه الأمور على المنامات والأحلام، ويرون أن من مظاهر الزهد والورع والعبادة التعلق بالأولياء والصالحين، وبعضهم يعبد الملائكة إلى آخره، هذه الأنواع وهذه الشفاعات هي التي يتكلم فيها الشيخ، ويقول: أن بعض الناس يذكرون فيها منافع ومصالح تحدث لبعضهم، وهذا من الابتلاء والفتنة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وجواب هؤلاء من طريقين: أحدهما: الاحتجاج بالنص والإجماع، والثاني: القياس والذوق والاعتبار ببيان ما في ذلك من الفساد، فإن فساد ذلك راجح على ما يظن فيه من المصلحة.

أما الأول: فيقال: قد علم بالاضطرار والتواتر من دين الإسلام وبإجماع سلف الأمة وأئمتها أن ذلك ليس بواجب ولا مستحب، وعلم أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصالحين].

ستلاحظون أن الشيخ من أجل إحكام الاستدلال، سيذكر الاستدلال على باطلهم من وجهين، وهذا في الحقيقة يعتبر من أقوى وجوه الاستدلال، حيث يضيق على الخصم ويحكم الأمر حتى لا يستطيع أن يفر.

فالوجه الأول: أن كل عبادة من عباداتهم لا دليل عليها من الكتاب والسنة ولا من آثار السلف.

وسيرجع عليهم مرة ثانية ويقول: قد قام الدليل على ضد ما تقولون، فهو بعد أن فرغهم من الاستدلال، رجع عليهم مرة أخرى، فذكر أن الأدلة متواترة ومتضافرة على تبديع أعمالكم والقول بشركية ما كان منها شركاً.

هذه طريقة محكمة، لأنه كان كثير من الناس يبدأ بالاستدلال على منعها، ثم يذكر أنه ليس عندهم دليل، لكن الشيخ عكس من أجل أن يهيئ أذهانهم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعلم أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصالحين، ولا يستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم ولا في مغيبهم، فلا يقول أحد: يا ملائكة الله اشفعوا لي عند الله، سلوا الله لنا أن ينصرنا أو يرزقنا أو يهدينا.

وكذلك لا يقول لمن مات من الأنبياء والصالحين: يا نبي الله، يا رسول الله! ادع الله لي، سل الله لي، استغفر الله لي، سل الله لي أن يغفر لي أو يهديني أو ينصرني أو يعافيني.

ولا يقول: أشكو إليك ذنوبي، أو نقص رزقي، أو تسلط العدو علي، أو أشكو إليك فلاناً الذي ظلمني.

ولا يقول: أنا نزيلك، أنا ضيفك، أنا جارك، أو أنت تجير من يستجير، أو أنت خير معاذ يستعاذ به.

ولا يكتب أحد ورقة ويعلقها عند القبور، ولا يكتب أحد محضراً أنه استجار بفلان ويذهب بالمحضر إلى من يعمل بذلك المحضر، ونحو ذلك مما يفعله أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين، كما يفعله النصارى في كنائسهم، وكما يفعله المبتدعون من المسلمين عند قبور الأنبياء والصالحين أو في مغيبهم.

فهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام وبالنقل المتواتر وبإجماع المسلمين أن النبي صلى الله عليه، وآله وسلم لم يشرع هذا لأمته.

وكذلك الأنبياء قبله لم يشرعوا شيئاً من ذلك، بل أهل الكتاب ليس عندهم عن الأنبياء نقل بذلك، كما أن المسلمين ليس عندهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نقل بذلك، ولا فعل هذا أحد من أصحاب نبيهم والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا ذكر أحد من الأئمة لا في مناسك الحج ولا غيرها: أنه يستحب لأحد أن يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند قبره أن يشفع له، أو يدعو لأمته، أو يشكو إليه ما نزل بأمته من مصائب الدنيا والدين.

وكان أصحابه يبتلون بأنواع من البلاء بعد موته، فتارة بالجدب، وتارة بنقص الرزق، وتارة بالخوف وقوة العدو، وتارة بالذنوب والمعاصي، ولم يكن أحد منهم يأتي إلى قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا قبر الخليل، ولا قبر أحد من الأنبياء فيقول: نشكو إليك جدب الزمان، أو قوة العدو، أو كثرة الذنوب، ولا يقول: سل الله لنا أو لأمتك أن يرزقهم أو ينصرهم أو يغفر لهم.

بل هذا وما يشبهه من البدع المحدثة التي لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين، فليست واجبة ولا مستحبة باتفاق أئمة المسلمين].

أصل هذا كله أن العبادة توقيفية، فما لم يرد به نص في أمور العبادة لا يجوز العمل به؛ لأنه لا يُعبد الله إلا بما شرع، ولذلك وصف الله عز وجل المبتدعة والمشركين بأنهم شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، فلا يجوز أن يُعبد الله إلا بما أذن الله به مما شرعه وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم.