للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان ما يقع من الغلط من قبيل الاصطلاح]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك لفظ (الكلمة) في القرآن والحديث وسائر لغات العرب إنما يراد به الجملة التامة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم).

وقوله: (إن أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل).

ومنه قوله تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:٥]، وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:٦٤] الآية، وقوله تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة:٤٠]، وأمثال ذلك.

ولا يوجد لفظ الكلام في لغة العرب إلا بهذا المعنى].

يقصد الشيخ أن الكلمة في أصل إطلاقها عند العرب وعند السلف الأوائل وكما أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم، أنها ما نسميه نحن الجملة المفيدة لمعنى تام، أما الكلمة المجردة مثل الاسم المجرد أو الفعل المجرد والحرف فلا يسمى كلمة إلا في اصطلاح النحاة، ولذلك ينبغي أن نفرق بين اصطلاح الشرع الأصلي وبين الاصطلاح الذي يتعارف عليه أهل العلوم، وكذلك ينبغي أن يتفطن طلاب العلم للتفريق بين عبارتين: بين عبارة (في الاصطلاح) إذا قصد بها اصطلاح أهل الاختصاص وبين عبارة (في الاصطلاح) إذا قصد بها الاصطلاح الشرعي، ولذلك الأولى أن تقيد المعاني الشرعية بكلمة (الاصطلاح الشرعي)؛ لأن هناك مصطلحات اصطلح عليها بعض أهل العلوم الجزئية لا تتوافق مع المصطلحات الشرعية وبناء على ذلك فهم الناس خطاب الشرع على غير وجهه بسبب استعمالهم للمصطلح الخاص لعلم من العلوم، وهذا مما ينبغي أن يعنى به طلاب العلم من الباحثين في هذا العصر الآن؛ لأن وسائل البحث قد توفرت، فينبغي أن تحرر مثل هذه الأمور وتنقح المصطلحات الشرعية وتعزل عنها المصطلحات الخاصة وتبين الفروق؛ لأنه إن بنى على استعمال هذه المصطلحات في فهم نصوص الكتاب والسنة انبنى عليها مفاهيم خطيرة خاصة عند البعيدين عن التخصص الشرعي، مثل بعض اللغويين والأدباء والأصوليين ونحوهم الذين يتعمقون في جانب معين ويبعدون عن المعاني الشرعية، فيستعملون مصطلحاتهم يطبقونها على المعاني الشرعية فيقع منهم خلط وخبط.

ونجد مثل ذلك في تعبيرات كثير من المحدثين الذين تطفلوا على العلوم الشرعية وهم غير مؤهلين، قد يكون بعضهم طبيباً أو مهندساً فتجده يستعمل مصطلحات فنه في التعبير عن الأمور الشرعية، فوقع الناس في حرج وإشكالات؛ لأنه جرهم إلى مفاهيم ومصطلحات معينة لا تنطبق على المفاهيم الشرعية ولا على المصطلحات الشرعية، وربما يكون الأدب هو أخطر ما حدث في ذلك كما حدث من سيد قطب رحمه الله في استعماله كثيراً من المصطلحات الشرعية بتعبير أدبي ميع المعاني الشرعية تمييعاً شديداً خطيراً، أوقع الناس في خلط واختلاف في معاني كلماته هو، واتهمه بعض الناس بالزندقة والإلحاد.

فيجب أن نتنبه ونأخذ درساً مما حدث ويحدث، وننقح هذه الأمور ونبينها، ونضع للناس مناهج بينة واضحة ونضرب الأمثلة لذلك.

فالشاهد كما سيذكر الشيخ أن استعمال المصطلحات على غير وجهها الشرعي من أسباب وقوع الناس في التوسل البدعي، وهذا ما أراده الشيخ، لكنه يستطرد أحياناً حتى يبعد ذهن القارئ عن الأصل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والنحاة اصطلحوا على أن يسموا الاسم وحده والفعل والحرف كلمة، ثم يقول بعضهم: وقد يراد بالكلمة الكلام، فيظن من اعتاد هذا أن هذا هو لغة العرب.

وكذلك لفظ (ذوي الأرحام) في الكتاب والسنة يراد به الأقارب من جهة الأبوين، فيدخل فيهم العصبة وذوو الفروض، وإن شمل ذلك من لا يرث بفرض ولا تعصيب، ثم صار ذلك في اصطلاح الفقهاء اسماً لهؤلاء دون غيرهم، فيظن من لا يعرف إلا ذلك أن هذا هو المراد بهذا اللفظ في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة، ونظائر هذا كثيرة.

ولفظ التوسل والاستشفاع ونحوهما دخل فيها من تغيير لغة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أوجب غلط من غلط عليهم في دينهم ولغتهم.

والعلم يحتاج إلى نقل مصدق ونظر محقوق].

لعل الأقرب: (ونظر محقق) ومع ذلك فـ (محقوق) تؤدي المعنى ولو من بعيد.