[وقد تقدم أن ما يذكره بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا كانت لكم حاجة فاسألوا الله بجاهي) حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم، ولا هو في شيء من كتب الحديث، وإنما المشروع الصلاة عليه في كل دعاء.
ولهذا لما ذكر العلماء الدعاء في الاستسقاء وغيره ذكروا الصلاة عليه، لم يذكروا فيما شُرع للمسلمين في هذه الحال التوسل به، كما لم يذكر أحد من العلماء دعاء غير الله والاستعانة المطلقة بغيره في حال من الأحوال، وإن كان بينهما فرق فإن دعاء غير الله كفر، ولهذا لم ينقل دعاء أحد من الموتى والغائبين لا الأنبياء ولا غيرهم عن أحد من السلف وأئمة العلم، وإنما ذكره بعض المتأخرين ممن ليس من أئمة العلم المجتهدين، بخلاف قولهم: أسألك بجاه نبينا أو بحقه، فإن هذا مما نُقل عن بعض المتقدمين فعله، ولم يكن مشهوراً بينهم ولا فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل السنة تدل على النهي عنه كما نُقل ذلك عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما.
ورأيت في فتاوى الفقيه أبي محمد بن عبد السلام قال: لا يجوز أن يتوسل إلى الله بأحد من خلقه إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم إن صح حديث الأعمى، فلم يعرف صحته.
ثم رأيت عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما من العلماء أنهم قالوا: لا يجوز الإقسام على الله بأحد من الأنبياء، ورأيت في كلام الإمام أحمد أنه في النبي صلى الله عليه وسلم لكن قد يخرّج على إحدى الروايتين عنه في جواز الحلف به، وقد تقدم أن هذا الحديث لا يدل إلا على التوسل بدعائه، ليس من باب الإقسام بالمخلوق على الله تعالى، ولا من باب السؤال بذات الرسول كما تقدم.
والذين يتوسلون بذاته لقبول الدعاء وعدلوا عما أمروا به وشرع لهم، وهو من أنفع الأمور لهم إلى ما ليس كذلك، فإن الصلاة عليه من أعظم الوسائل التي بها يستجاب الدعاء، وقد أمر الله بها].