للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسالك أهل البدع في تقرير البدع]

أهل البدع قد يتمسكون أحياناً بالقشة، كالقول بأن هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة، مع أنه لم يرد فيها تفصيل عند السلف إلا في مثال واحد وهو: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما استأنف صلاة التراويح، أي أمر بها ولم تكن تُفعل بعد أن توقف عنها النبي صلى الله عليه وسلم، حينما استأنفها وعمل بها قال له أحد الصحابة أو أحد الناس: إن هذه بدعة، فقال عمر: نعمت البدعة هذه، وسبب ذلك ما أشار إليه الشيخ أنها ليست بدعة بإطلاق، بل هذا من باب التجوّز في إطلاق البدعة، لأنه هنا قام دليل شرعي على أنها مستحبة، فإذاً لها أصل ولها دليل فلا يقاس عليها غيرها، فهي أولاً مما عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم وتوقف عنها، وعلل توقفه بخوف أن تجب على الناس، فكأن هذا فيه إشارة إلى أنه حينما ينقطع الوحي بعد وفاته لا مانع من الرجوع إليها، هذا يُفهم من فحوى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم.

الأمر الثاني: أن الذي شرعها من الخلفاء الراشدين بناء على أن النبي صلى الله عليه وسلم عمل بأصلها، فكانت من سنة الخلفاء الراشدين، فهنا سماها عمر بدعة حسنة من باب التجوز والمشاكلة والرد على اللفظ بالمثل، وهذا كثير في لغة العرب، ولم يقصد عمر أنها بدعة على المعنى الشرعي والاعتباري.

فعلى هذا هي مسألة فردية لها تفسيرات ولها ضوابط ولها أصول شرعية لا يقاس عليها غيرها إطلاقاً، حتى وإن فرضنا أنا سميناها بدعة حسنة، مع أن عمر ما قال: بدعة حسنة، وإنما قال: نعمت البدعة؛ فلو فرضنا أنا بقينا على هذا اللفظ فإن هذا لا يتجاوز هذه القضية -وهي صلاة التراويح- لأسباب شرعية معلومة، وهي كون النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ثم توقف عنها لتعليل انتهى بعد وفاته، وهو خشية أن تُفرض.