[ما اختلف فيه الصحابة فالرد فيه إلى الكتاب والسنة]
قال رحمه الله تعالى: [وهكذا في الإباحات، كما استباح أبو طلحة أكل البرد وهو صائم.
واستباح حذيفة السحور بعد ظهور الضوء المنتشر حتى قيل هو النهار، إلا أن الشمس لم تطلع، وغيرهما من الصحابة لم يقل بذلك، فوجب الرد إلى الكتاب والسنة].
يشير بذلك إلى أن الصحابة رضي الله عنهم ليسوا معصومين، وأن اجتهاداتهم التي ينفرد الواحد منهم بها قد تكون خاطئة، ولا ينقص من قدرهم واعتبارهم وفضلهم كون الواحد منهم قد يخطئ في اجتهاد يخالفه عليه آخرون، فلذلك لا ينبغي للناس أن يتصيدوا هذه الزلّات ويعتمدوا عليها، ويجعلوها تشريعاً، ولا أن يتصيدوها فيطعنوا فيها بالصحابة رضي الله عنهم، فإنهم كغيرهم من البشر يقع منهم الخطأ والسهو والنسيان والفهم الخاطئ، ويقع منهم اجتهاد خاطئ، فقد يتأولون النصوص على غير تأولها، لكن هذا يكون في حالات نادرة، بمعنى أنه لا يكون سلوكاً دائماً لصحابي من الصحابة، وإنما يكون عن اجتهاد هو سائغ بالنسبة له، لكن لا يسوغ لغيره أن يقتدي به؛ لأن العبرة بالكتاب والسنة وبما عليه عامة العلماء، ولذلك تجدون المحققين من أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم إلى يومنا هذا يبرزون مثل هذه الأمور على أنها تخالف قواعد الشرع ولا يطعنون فيمن فعلها، فالأصل عندهم أنهم يبيّنون وجه الخطأ فيها، وأنها تخالف أصول الكتاب والسنة، وأنها تخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا يجعلون ذلك ذريعة إلى الطعن فيمن فعل أو في دينه أو في قدره، إذا كان ممن له قدر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك الكراهة والتحريم، مثل كراهة عمر وابنه للطيب قبل الطواف بالبيت.
وكراهة من كره من الصحابة فسخ الحج إلى التمتع].
يقصد قبل الطواف بالبيت ما إذا تحلل الحاج من التحلل الأول فالأصل أنه يجوز له الطيب ولو لم يطف بالبيت، إذا كان قد رمى الجمرة وحلق مثلاً، فيجوز جاز له أن يلبس ثيابه وأن يتطيب، وهذا ما يسمى بالتحلل الأول، فكره ابن عمر التطيب قبل الطواف مطلقاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكراهة من كره من الصحابة فسخ الحج إلى التمتع أو التمتع مطلقاً، أو رأى تقدير مسافة القصر بحد حده، وأنه لا يقصر بدون ذلك، أو رأى أنه ليس للمسافر أن يصوم في السفر.
ومن ذلك قول سلمان: إن الريق نجس.
وقول ابن عمر: إن الكتابية لا يجوز نكاحها.
وتوريث معاذ ومعاوية رضي الله عنهما للمسلم من الكافر.
ومنع عمر وابن مسعود رضي الله عنهما للجنب أن يتيمم.
وقول علي وزيد وابن عمر رضي الله عنهم في المفوضة: إنها لا مهر لها إذا مات الزوج.
وقول علي وابن عباس في المتوفى عنها الحامل: إنها تعتد أبعد الأجلين.
وقول ابن عمر وغيره: إن المحرم إذا مات بطل إحرامه وفعل به ما يفعل بالحلال.
وقول ابن عمر وغيره: لا يجوز الاشتراط في الحج.
وقول ابن عباس وغيره في المتوفى عنها: ليس عليها لزوم المنزل.
وقول عمر وابن مسعود: إن المبتوتة لها السكنى والنفقة.
وأمثال ذلك مما تنازع فيه الصحابة، فإنه يجب فيه الرد إلى الله والرسول، ونظائر هذا كثير فلا يكون شريعة للأمة إلا ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن قال من العلماء: إن قول الصحابي حجة فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة ولا عُرف نص يخالفه، ثم إذا اشتهر ولم ينكروه كان إقراراً على القول، فقد يقال: هذا إجماع إقراري، إذا عُرف أنهم أقروه لم ينكره أحد منهم، وهم لا يقرون على باطل.
وأما إذا لم يشتهر فهذا إن عُرف أن غيره لم يخالفه فقد يقال: هو حجة، وأما إذا عرف أنه خالفه فليس بحجة بالاتفاق.
وأما إذا لم يُعرف هل وافقه غيره أو خالفه لم يجزم بأحدهما، ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما يخالفها بلا ريب عند أهل العلم].
بعد هذا الاستطراد سيذكر الشيخ النتيجة، وهذا ما جعلنا نطيل القراءة؛ لأجل أن نصل إلى النتيجة في سياق واحد، الشيخ رحمه الله ذكر كثيراً من أقوال بعض الصحابة التي خالفوا فيها الجمهور، بل أحياناً يخالفون فيها مقتضى النصوص عن غير قصد، فأراد بهذا أن يقول إن هذه القصة التي تذرع بها أهل التوسل البدعي هي أعظم شذوذاً مما حدث من الصحابة في مثل هذه المفردات، وهذه النتيجة سيذكرها.