[مناظرة ابن تيمية لبعض الرهبان]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولما كان الشيخ في قاعة الترسيم دخل إلى عنده ثلاثة رهبان من الصعيد فناظرهم وأقام عليهم الحجة بأنهم كفار، وما هم على الذي كان عليه إبراهيم والمسيح عليهما السلام.
فقالوا له: نحن نعمل مثل ما تعملون: أنتم تقولون بالسيدة نفيسة، ونحن نقول بالسيدة مريم، وقد أجمعنا نحن وأنتم على أن المسيح ومريم أفضل من الحسين ومن نفيسة، وأنتم تستغيثون بالصالحين الذين قبلكم ونحن كذلك.
فقال لهم: وأي من فعل ذلك ففيه شبه منكم، وهذا ما هو دين إبراهيم الذي كان عليه، فإن الدين الذي كان عليه إبراهيم عليه السلام: أن لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له ولا صاحبة له ولا ولد له، ولا نشرك معه ملكاًً ولا شمساً ولا قمراً ولا كوكباً، ولا نشرك معه نبياً من الأنبياء ولا صالحاً، {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:٩٣]، وأن الأمور التي لا يقدر عليها غير الله لا تطلب من غيره، مثل: إنزال المطر، وإنبات النبات، وتفريج الكربات، والهدى من الضلالات، وغفران الذنوب، فإنه لا يقدر أحد من جميع الخلق على ذلك، ولا يقدر عليه إلا الله، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام نؤمن بهم ونعظمهم ونوقرهم ونتبعهم ونصدقهم في جميع ما جاءوا به ونطيعهم، كما قال نوح وصالح وهود وشعيب عليهم الصلاة والسلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:٣]، فجعل العبادة والتقوى لله وحده والطاعة لهم، فإن طاعتهم من طاعة الله، فلو كفر أحد بنبي من الأنبياء وآمن بالجميع ما ينفعه إيمانه حتى يؤمن بذلك النبي، وكذلك لو آمن بجميع الكتب وكفر بكتاب كان كافراً حتى يؤمن بذلك الكتاب، وكذلك الملائكة واليوم الآخر.
فلما سمعوا ذلك منه قالوا: الدين الذي ذكرته خير من الدين الذي نحن وهؤلاء عليه.
ثم انصرفوا من عنده].
فهذه من الأمور التي تحتاج إلى تجلية من طلاب العلم في الجانب العلمي والعملي والتطبيق في سلوكهم وتعاملهم مع الناس.
أقول: هذا الأمر الذي ذكره الشيخ، وهو التباس أمر الإسلام على كثير من الأمم بسبب أهل البدع، وفهمهم الخاطئ عن الإسلام بسبب الممارسات الخارجة عن السنة، هذا أمر واقع اليوم في كثير من بلاد المسلمين وغير بلاد المسلمين، فكم من إنسان حجب عن الهداية بسبب ما رآه من أفعال المسلمين وأقوالهم وسلوكهم وتعاملهم، في العبادات والأخلاق واللباس والمعاملات، وفي سائر الأمور، وذلك أن من يرى أحوال المسلمين مع غيرهم من الكفار والمرتدين والأمم الأخرى لا يجد عندهم ما يصدق به معنى الإسلام الصحيح الذي أمر الله باتباعه، فهم في العبادات لا يختلفون كثيراً عن الهندوس والمجوس والصابئة واليهود، أنا أقصد أهل الأهواء والبدع الذين يتعلقون بالقبور والأموات والأشجار والأحياء، فإن عندهم من الطقوس كما عند أهل الأوثان في عباداتهم وإن اختلفت بعض الشكليات.
فإذاً: كيف يصلون إلى الإسلام الحقيقي من خلال هؤلاء؟ ثم الأمور الأخرى الكثيرة: خلط الدين بالعادات، وخلط الدين بالأهواء، وخلط الدين بالشهوات والشبهات.
فإذاً: لو استعرضنا واقع الأمة الإسلامية الآن نجد أن حال المسلمين هو الذي يحجب الأمم عن الاستفادة من الإسلام، البشرية اليوم بحاجة إلى هذا الدين في جميع وجوه حياتهم، ومن البشر من عقلاء الأمم من لو فتح بينه وبين الإسلام لنادى به في ديار الكفر، ولو عرض الإسلام بمنهج أهل السنة المنهج الصحيح السليم عرضاً سليماً لتغير وجه الدنيا اليوم.
فمن هنا أحب أن أؤكد إلى أنه ينبغي لطالب العلم المسلم الذي على السنة أن يلتزم السنة في كل مكان، وأن يعتز بها حتى في اللباس، وألا يترخص إلا للحاجة الضرورية، وإقامة شعائر الدين الظاهرة؛ ليتميز المسلم المستمسك بالسنة عن المسلم الذي يقع في البدع والخرافات، ومسايرة القوم، وموالاة الكفار ونحو ذلك.
واليوم بحمد الله كثرت وسائل نشر الدين، ينبغي الاستفادة من هذه الوسائل في نشر السنة، وينبغي ألا يقف صاحب السنة موقف المستضعف، لا في قوله ولا في فعله وسلوكه ولا في مظهره، ينبغي أن يكون قوياً لكن بحكمة، وينبغي أن يكون أنموذجاً للإسلام كما أمر الله به لكن بشيء من التوازن والحكمة، فلا يمكن إخراج المسلمين من هذه الورطة وهي تمثيل الإسلام تمثيلاً غير صحيح إلا بتطبيق السنة تطبيقاً كاملاً من قبل أهل السنة وإن قلوا.