[خلاصة الكلام على حديث عثمان بن حنيف في التوسل]
قال رحمه الله تعالى: [وإذا كان كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعياً له ولا شافعاً فيه، فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعاً بعد مماته، كما كان يُشرع في حياته، بل كانوا في الاستسقاء في حياته يتوسلون به، فلما مات لم يتوسلوا].
من وجوه الاستدلال هنا، وهو استدلال ملزم، أنه لو صحت هذه الحكاية أن عثمان بن حنيف حينما وجّه هذا الرجل، لكان عموم الصحابة وعموم الأمة أحوج إلى مثل هذا في استغاثتهم بعد الجدب أو أثناء الجدب، هذه حاجة عامة ملحّة كبيرة، فلو كان الصحابة يرون مثل هذا لاستشفعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في قبره على نحو ما كان استشفع به الأعمى في حياته، فلما لم يفعلوا ذلك دل على سقوط الدلالة فيما نسب إلى عثمان بن حنيف والرجل الذي عمل بعمله، فإن الضرورة العامة مع عموم الصحابة أقوى وأولى من ضرورة خاصة فردية لم تُعرف وهي مغمورة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بل قال عمر رضي الله عنه في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمناً حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بـ العباس قال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون.
وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة، لم ينكره أحد مع شهرته، وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية، ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في خلافته لما استسقى بالناس.
فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم به في حياته لقالوا: كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما؟ ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله.
فلما لم يقل ذلك أحد منهم، وقد عُلم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته، وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره، علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته.
وحديث الأعمى حجة لـ عمر وعامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بذاته، وقال له في الدعاء: قل اللهم فشفعه في].
هذا واضح بأنه في حياته صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله تعالى: [وإذا قُدّر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته، ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته، كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المخالف لـ عمر محجوجاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له، والله أعلم].