[الكف عن طلب الدعاء على الإحسان أحرى بالإخلاص]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال بعض السلف: إذا قال لك السائل بارك الله فيك، فقل: وفيك بارك الله، فمن عمل خيراً مع المخلوقين سواء كان المخلوق نبياً أو رجلاً صالحاً أو ملكاً من الملوك أو غنياً من الأغنياء، فهذا العامل للخير مأمور بأن يفعل ذلك خالصاً لله يبتغي به وجه الله، لا يطلب به من المخلوق جزاء ولا دعاء ولا غيره، لا من نبي ولا رجل صالح ولا من الملائكة، فإن الله أمر العباد كلهم أن يعبدوه مخلصين له الدين.
وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، فلا يقبل من أحد ديناً غيره، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥].
وكان نوح وإبراهيم وموسى والمسيح وسائر أتباع الأنبياء عليهم السلام على الإسلام، قال نوح: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٧٢]، وقال عن إبراهيم: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٠ - ١٣٢].
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس:٨٤].
وقالت السحرة: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف:١٢٦].
وقال يوسف: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:١٠١].
وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة:٤٤].
وقال عن الحواريين: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة:١١١].
ودين الإسلام مبني على أصلين: أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نعبده بما شرعه من الدين، وهو ما أمرت به الرسل أمر إيجاب أو أمر استحباب، فيعبد في كل زمان بما أمر به في ذلك الزمان.
فلما كانت شريعة التوراة محكمة كان العاملون بها مسلمين وكذلك شريعة الإنجيل.
وكذلك في أول الإسلام لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس كانت صلاته إليه من الإسلام، ولما أمر بالتوجه إلى الكعبة كانت الصلاة إليها من الإسلام، والعدول عنها إلى الصخرة خروجًا عن دين الإسلام.
فكل من لم يعبد الله بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بما شرعه الله من واجب ومستحب فليس بمسلم].
وهذا تتبين به مسألة وقع فيها الإشكال عند كثير من الذين يجهلون العقيدة، وشاع هذا الإشكال عند كثير من العصرانيين والعقلانيين وبعض المثقفين، وهو أنهم يفترضون أن طوائف من أهل الكتاب على الحق في هذا العصر ومنذ مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: ما الذي يمنع أن يكون هناك طوائف من أهل الكتاب وهم الذين سلموا من العقائد الكفرية -بزعمهم- أو سلموا مما يوقعهم في الخروج من الملة، يبقون على مسمى الإسلام، وأنهم من الناجين كنجاة المسلمين المسلِّمين للرسول صلى الله عليه وسلم! وهذا جهل؛ لأن من مقتضيات دينهم الذي كانوا عليه أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث، وهذا من الأركان الأساسية التي لا يصح دينهم إلا بها ولذلك كان يوجد بقايا من أهل الكتاب وفقهم الله فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا على الحق، ومن لم يسلم منهم وخذله الله لم يعد مسلماً كإسلامه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
ومثال ذلك في المسلمين الآن: المسلمون باقون على مسمى الإسلام حتى يخلوا بشيء من نواقض الدين، ومن نواقض الدين أنه إذا جاء عيسى عليه السلام في آخر الزمان فمن آمن به وكان موفياً بشروط الإسلام فهو مسلم؛ لكن من كذب به بعد نزوله أو حتى قبل نزوله مع العلم بتواتر النصوص خرج من مقتضى الدين وهكذا.
فإذاً: دعوى أنه قد يوجد من بعض الديانات من يكون على الحق دعوى باطلة من أصلها؛ لأنها تنسف بوجوب إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه، والله أعلم.