[أسباب قسوة القلب وعلاجه]
السؤال
من الظواهر عند بعض طلاب العلم قسوة القلوب مع حرصهم على العلم وطلبه، فما هي الأسباب وما هو العلاج، وهل من أسبابها التعلم بعيداً عن تعظيم الله والنصوص؟
الجواب
عدم تعظيم الله عز وجل وعدم تعظيم النصوص راجع لقسوة القلب، وقسوة القلب أسبابها كثيرة، لكن لعل من أبرز أسبابها أن الدنيا ضحكت للناس ببهرجها وأضوائها، هذه لا شك أنها تشد الناس إلى الدنيا والشهوات والمغريات، فالآن كل ما أمام المسلم يصرفه عن حلاوة الإيمان إلا من جاهد نفسه جهاداً عظيماً، أنت في الصلاة الآن والمسجد مضاء ومزخرف، والفرش مزخرفة، والصوت رنان، والجو مكيف فلا شك أن هذه صوارف.
ثم المغريات الأخرى في البيت والشارع مع التكاسل والتقصير في بذل الأسباب التي تُبعد الإنسان عن هذه الأجواء ولو في بعض أيامه حتى يتذوق فيها طعم الإيمان ويتزود بالتقوى واليقين والاستقامة.
الآن حتى لو ذهبت إلى بيت الله الحرام، فأمامك أضواء وبهرج ومناظر، والناس يتحلقون حلقاً للكلام كأنهم في الشوارع، وبدءوا الآن يدخلون القهوة والعصيرات فالعابد الذي يعبد الله على ما كان يرى مدة ٣٠ أو ٢٠ سنة ما استطاع ذلك، لا تستطيع أن تتخلص من الأضواء إلا بصعوبة، فهذه من أسباب قسوة القلوب.
اليوم الدنيا ضحكت للناس ضحكة الذئب، والذئب إذا كشّر عن أنيابه لفريسته، تظن الفريسة المغفلة أنه يضحك، ونحن كذلك نسأل الله أن يعفو عنا، الآن ضحكت لنا الدنيا وأكثرنا متبسط في الحياة، كوننا نغتبط بنعمة الله عز وجل علينا هذا طيب، لكن إلى أي حد؟ فأجد أننا مقصرون في شكر النعمة وفي رعايتها وفي تقييدها بالقيود الشرعية.
واستتبع هذا طلب الدنيا والتعلق بها واستتبع هذا أموراً كثيرة، ثم ضعف الاشتغال بالأمور التي تحيي القلب، وأهمها الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأكثر الناس يكفيه أن يتعلم وأن يجلس مع جلساء صالحين من شكله، لكن يقتلون الأوقات قتلاً، لا تجد هناك أعمال حسبة، لأن أعمال الحسبة تنقل الإنسان من جو إلى جو آخر، حتى يتذوّق الخير ويتذوق المعروف، فتدخل في قلبه آثار البر فتصلحه وتؤثر فيه.
ثم قلة الذكر، ومع كثرة المشغلات يسهو الناس ويغفلون عن الذكر، وهذا مما يقسي القلب.
وكذلك قلة الاستغفار وهكذا وعلى كل حال فأمثالكم يدركون أسباب قسوة القلب، لكن الكلام عن: ما هو العلاج؟ ولذلك أنا أرى أن طلاب العلم -ونحن منهم- مقصرون فنحن وإن انتسبنا إلى العلم فنحن أول المقصرين، مقصرون في طرق جانب الوعظ وتحريك القلوب، الآن أكثر كلام الخطباء والدعاة والمصلحين في مسألة الأحكام والمعلومات، لكن الوعظ قليل، فكم تعد مثلاً من الخطباء المشهورين بالوعظ في الرياض؟ أظنهم يُعدون على أصابع اليد! فينبغي لطلاب العلم والخطباء أن يحرصوا على جانب الوعظ، فالناس قست قلوبهم وتراكمت القسوة، وطلاب العلم والدعاة قست قلوبهم؛ لأن جانب الوعظ قليل جداً، فينبغي للناس أن يهتموا بالأمور التي تزيل قسوة القلوب، وأمها الوعظ في المنابر وفي المجالس وفي كل مكان، ثم الأمور التي تليّن القلوب، مثل زيارة المقابر، وزيارة المرضى، والحرص على أن تكون أكثر الأعمال مخلصة وصادقة لله عز وجل.
التزاور في الله الآن إذا طرق عليك أحد الباب فغالب ما يرد في ذهنك أنه يريد شيئاً لغير أمور الدين، وآخر ما يرد في ذهنك أنه يزورك في الله، بل هذه الكلمة لم نعد نسمعها إلا في النادر، والنادر لا حكم له الناس من قبل كان أكثر تزاورهم في الله، يطرق عليك الباب يريد أن يسأل عن حالك وكيف أنت؟ ويجلس معك قليلاً يذكرك بأمر يهمك في دينك وفي إصلاح قلبك ثم يمشي، الآن أكثر زيارات الناس للعلاقات، أو لرد معروف أو نحو ذلك.
فأقول: هذا من الأمور التي تسبب قسوة القلوب، وعلاجها يحتاج إلى كلام آخر، ولعل هذا يكون موضوع محاضرة تقترحونها على المشايخ، ولعل المشايخ يطرحون العلاج الشرعي، والله أعلم، نسأل الله للجميع التوفيق والسداد والرشاد، ونسأل الله أن يجمعنا جميعاً في دار كرامته.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.