لو تأملنا هذه الحكاية التي وقعت في عهد عثمان رضي الله عنه لوجدنا أنها حالة نادرة، هذا إذا ثبتت، وفي ثبوتها نظر كما ذكر الشيخ قبل ذلك.
والأمر الآخر: أنه لم يرد في القصة أنها شوهدت من مجموع من الناس، ولكن حدثت بين ثلاثة، وهي دعوى اجتهد فيها عثمان بن حنيف وربما أن عثمان رضي الله عنه لم يطّلع على الأمر أيضاً، بل هو الغالب، فالغالب أن هذا الرجل عمل باجتهاد خاطئ من صحابي ولم يطّلع عليه آخرون، فلا يقال: إن هذا أُقرّ من عثمان أو ممن شهدوا، أو أنه أُقر من جماعة من الصحابة، فغاية ما يقال: إن ثبتت القصة فهي اجتهاد من عثمان بن حنيف مع رجل آخر عمل هذا العمل، وربما كان عمله خطأ، وعثمان بن عفان لم يشهد الموقف، ولكن أمره أن يسأل فسأل ولا يدري ماذا فعل.
ثم عثمان رضي الله عنه إن ثبتت القصة حينما قضى حاجته لم يعلم أنه فعل ذلك، ولو علم لأنكر، فأصبح الأمر يرجع إلى اجتهاد من صحابي ولم يعلم به الصحابة الآخرون فضلاً عن أن يوافقوه عليه.
ثم إنها حالة نادرة والنادر لا حكم له، وهي قصة واحدة لا يمكن أن يُبنى عليها قاعدة في الدين وتكون سلوكاً يعمل عليه جماعة أو طوائف من المسلمين كما هو حال أهل التوسل البدعي، وهذه قاعدة في كثير من الأمور المشتبهة، أو النصوص والأدلة التي فيها اشتباه، فلا ينبغي أن تكون حجة في أمور تعارض أصول الدين وقواعده العامة التي أجمع عليها المسلمون، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، (كل بدعة ضلالة)، وغير ذلك من القواعد القوية الصارمة، فلا يمكن أن تُخرق هذه القواعد من أجل روايات إن ثبتت فهي فردية.
والأمور التي تتعلق بالعبادة فعلها في حالات نادرة في عهد الصحابة دليل على عدم ثبوتها وعدم العمل بها، أو أنها إن ثبتت فليست معتبرة؛ ولذلك نجد أغلب أدلة أهل البدع في استدلالاتهم من هذا النوع الشاذ النادر القليل إن ثبت، أو الذي في دلالته شبهة مثل استدلالهم بقول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة، وهذه يتعلقون بها وكأنها وحي منزّل، مع أنه معروف في سياق قصة عمر ماذا يقصد عمر، وأن التراويح كانت في أصلها سنة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركها إلا لعلة، ولما زالت هذه العلة ما استصحبوا السياق، فالشاهد أن استدلالهم بهذه القصة استدلال ساقط على جميع الاعتبارات، ويبقى عمل الصحابة هو الأصل، والصحابة لم يعملوا بشيء من ذلك.