[حكم القسم بالمخلوق والسؤال بمعظم]
قال رحمه الله تعالى: [فأما الأول فالقسم بالمخلوقات لا يجوز على المخلوق فكيف على الخالق؟ وأما الثاني وهو السؤال بالمعظم كالسؤال بحق الأنبياء فهذا فيه نزاع].
بدأ الشيخ يفرع لكي نعرف أن هذه المسألة تحتها السؤال بالسبب، فإن كان السبب من عمل الإنسان نفسه، كالسؤال بالأعمال الصالحة فهو مشروع، وإن كان من عمل الغير، أو من خصائص الغير، كأن تقول: اللهم إني أسألك بجاه فلان؛ اللهم إني أسألك بصلاح فلان؛ بصلاة فلان، بالأنبياء؛ فهذا لا يجوز؛ لأنك سألت بعمل غيرك وعمل غيرك لا ينفعك، أو سألت بوسيلة دون الله عز وجل ليست من الوسائل المشروعة.
أي أنك اتخذت الوسائط التي نهى الله عنها، سواء كانت هذه الوسائط أشخاصاً أو أموراً معنوية أو حسية، فلا تجوز ما لم تكن عمل الشخص، أو مما شرع الله عز وجل مثل طلب الدعاء من الآخرين.
والشيخ هنا حينما قال: (وأما الثاني وهو السؤال بالمعظم) انصرف إلى صورة من صور استعمال باء السببية، فباء السببية إن كانت من باب جعل الإنسان عمله سبباً فهي مشروعة، وإذا جعل السبب غير عمله كعمل الآخرين أو جاه الآخرين أو ذوات الآخرين أو مخلوقات أخرى؛ فهذا غير مشروع وسيذكر الشيخ الاختلاف في صورة من صوره.
قال رحمه الله تعالى: [وأما الثاني وهو السؤال بالمعظم كالسؤال بحق الأنبياء فهذا فيه نزاع، وقد تقدم عن أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز، ومن الناس من يجوز ذلك.
فنقول: قول السائل لله تعالى: أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم، أو بجاه فلان أو بحرمة فلان يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه، وهذا صحيح].
نعم، هذا صحيح، وسيستدرك الشيخ استدراكاً مقطوعاً، وهذا ربما يوجد اللبس عند كثير من القراء، بعض الناس قد يستشعر من هذه العبارات أن هناك صورة جائزة من هذا النوع والشيخ لا يقصد هذا، حتى قوله بأن الأمر فيه نزاع لا يقصد أن فيه نزاعاً بين أهل السنة إلا من شذ رأيه ممن ينتسب للسنة.
فالسؤال بالمعظم لا يجوز إطلاقاً، لكن هناك صورة قد ترد على وجه بعيد، وهو سؤال الإنسان بحق غيره ممن له جاه بأن يدعو له صاحب هذا الجاه في حياته وقدرته، فبعض الناس قد يقصد هذا المعنى، فيكون معنى بعيداً صحيحاً، فكون الصحابة رضي الله عنهم يطلب أفرادهم ومجموعهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم ويعتبرونه مقبول الدعاء بجاهه، فهم ما استعانوا بالجاه، لكنهم طلبوا من صاحب الجاه أن يدعو لهم، فإذا كانت هذه الصورة تطلب من الحي القادر فلا حرج.
وهذا يدخل فيه طلب السؤال من الصالحين؛ لأنا نعتقد أن للصالحين جاهاً عند الله عز وجل بما ذكر الله من قدرهم، فهذا جاه صحيح، ولذلك قال الشيخ: (يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه فهذا صحيح)، فإن طلبت هذا الجاه بدعائهم لك وهم أحياء قادرون؛ فهذا لا حرج فيه، لكن إن قصدت بالتوسل بجاههم أن تجعل جاههم واسطة لك فيما هو من خصائصهم دون أن يدعوا لك؛ فهذا لا يجوز، ولذلك ينبغي أن يقال هنا: [لكن جاههم لا ينفع غيرهم في هذا المقام، بل السؤال به عدوان، إلا إذا كان القصد التوسل بدعائهم وهم أحياء].
إذا كمَّلنا العبارة بهذه الجملة التي سيأتي الكلام عنها؛ تصبح العبارة واضحة، ويكون ختام هذا المقطع قوله: [هذا صحيح، لكن جاههم لا ينفع غيرهم في هذا المقام، بل السؤال به عدوان، إلا إذا كان القصد التوسل بدعائهم وهم أحياء، وهذه الصورة بعيدة في مثل هذا المقام].