[سؤال الله بالإيمان بالرسول ومحبته وطاعته سبب يقتضي الإجابة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [نعم، لو سأل الله بإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومحبته له وطاعته له واتباعه؛ لكان قد سأله بسبب عظيم يقتضي إجابة الدعاء، بل هذا أعظم الأسباب والوسائل].
هذا أعظم الأسباب والوسائل لتحقيق الغرض للإنسان الذي يدعو ربه إذا كان له غرض معين، وهذا هو ما سماه أهل العلم السؤال بالأعمال الصالحة، الذي ينطبق عليه ما ورد في قصة أصحاب الغار.
أما لو سأل الله بإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم فهذه صورة من صور التوسل مشروع، وهو التوسل بإيمانه ومحبته وطاعته واتباعه؛ فلو سأل به لكان قد سأل بسبب عظيم، فإن من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه محبة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعته.
ثم قال: (بل هذا أعظم الأسباب والوسائل)، يقصد أن وسيلة الهداية التي تتحقق بها نجاة المسلم هو النبي صلى الله عليه وسلم واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فيسأل الله بها أو بسببها ما يسأل من الأمور.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن شفاعته في الآخرة تنفع أهل التوحيد لا أهل الشرك، وهي مستحقة لمن دعا له بالوسيلة، كما في الصحيح أنه قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة).
وفي الصحيح أن أبا هريرة قال له: (أي الناس! أسعد بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه).
فبين صلى الله عليه وسلم أن أحق الناس بشفاعته يوم القيامة من كان أعظم توحيداً وإخلاصاً؛ لأن التوحيد جماع الدين، والله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فهو سبحانه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فإذا شفَّع محمداً صلى الله عليه وسلم حد له ربه حداً فيدخلهم الجنة، وذلك بحسب ما يقوم بقلوبهم من التوحيد والإيمان.
وذكر صلى الله عليه وسلم أنه من سأل الله له الوسيلة حلت عليه شفاعته يوم القيامة، فبين أن شفاعته تنال باتباعه بما جاء به من التوحيد والإيمان، وبالدعاء الذي سن لنا أن ندعو له به].
وبذلك تكون الوسيلة الصحيحة -وهي أفضل أنواع الوسيلة- أن يسأل الإنسان بأعماله، وبتوحيده وإخلاصه، وبما وعد الله به من الوسائل المشروعة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أن من سأل له الوسيلة حلت شفاعته؛ فهذه وسيلة مشروعة، والدعاء بها مشروع؛ لأنه وعد من الله، وأن الشفاعة تنال بالتوسل بما يعمله الإنسان من التوحيد والإيمان، وبالدعاء الذي سنه لنا الله عز وجل، سواء الدعاء بطلب الشفاعة وأمور الآخرة، أو طلب أمور الهداية، أو طلب أمور الدنيا؛ كل ذلك جائز، وهذا هو حقيقة الشفاعة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.