للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طلب الدعاء من الغائب الحي أو الميت]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد مضت السنة أن الحي يُطلب منه الدعاء كما يُطلب منه سائر ما يقدر عليه، وأما المخلوق الغائب والميت، فلا يُطلب منه شيء، يحقق هذا الأمر أن التوسل به والتوجه به لفظ فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح، فمعناه في لغة الصحابة أن يُطلب منه الدعاء والشفاعة، فيكونون متوسلين ومتوجهين بدعائه وشفاعته، ودعاؤه وشفاعته صلى الله عليه وسلم من أعظم الوسائل عند الله عز وجل، وأما في لغة كثير من الناس فمعناه أن يسأل الله تعالى ويقسم عليه بذاته.

والله تعالى لا يُقسم عليه بشيء من المخلوقات، بل لا يقسم بها بحال، فلا يقال: أقسمت عليك يا رب بملائكتك، ولا بكعبتك، ولا بعبادك الصالحين، كما لا يجوز أن يُقسم الرجل بهذه الأشياء، بل إنما يُقسم بالله تعالى بأسمائه وصفاته؛ ولهذا كان السنة أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته، فيقول: أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

(وأسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك) الحديث كما جاءت به السنة، وأما أن يسأل الله ويُقسم عليه بمخلوقاته فهذا لا أصل له في دين الإسلام.

وكذلك قوله: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك الأعلى، وبكلماتك التامات.

مع أن هذا الدعاء الثالث، في جواز الدعاء به قولان للعلماء].

الدعاء الثالث لا يقصده كله، فهو ذكر ثلاثة أدعية الأول: أقسمت عليك يا رب بملائكتك، هذا لا يجوز.

والثاني: أسألك بأن لك الحمد ونحو ذلك، فهذا جائز.

والثالث: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، هذا اشتمل على دعاء جائز ودعاء فيه خلاف.

أما الجائز منه فقوله: وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وبكلماتك التامات، لكن يبقى: اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك فهذه فيها تفصيل، أولاً: ما معنى (معاقد العز من عرشك)؟ فإذا عرفنا معناها عرفنا هل يجوز الدعاء بها أو لا يجوز، فهي من الألفاظ المحتملة؛ لأن معاقد العز قد يقصد بها مواطن العز من العرش، ومواطن العز من العرش قد يقصد بها ما يتعلق بذات الله، فمن هنا يجوز الدعاء.

وقد يقصد بها ما يتعلق بالمخلوق وهو العرش، فمن هنا لا يجوز الدعاء بها.

كلمة (بمعاقد العز من عرشك) من الكلمات الغامضة، ولذلك لا ينبغي الدعاء بها وإن أُثرت عن بعض السلف لأنهم يقصدون معنى صحيحاً لا يرد في أذهان الناس اليوم بعدما ضعفت اللغة العربية عندهم وقل فقههم لها، فأكاد أجزم أن أكثر الذين يدعون بمثل هذا الدعاء يقصدون معنى فاسداً في مفهوم (معاقد العز من عرشك).