قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحيث أمر الأمة بالدعاء له فذاك من باب أمرهم بما ينتفعون به، كما يأمرهم بسائر الواجبات والمستحبات، وإن كان هو ينتفع بدعائهم له، فهو أيضاً ينتفع بما يأمرهم به من العبادات والأعمال الصالحة.
فإنه ثبت عنه في الصحيح أنه قال:(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء)، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الداعي إلى ما تفعله أمته من الخيرات، فما يفعلونه له فيه من الأجر مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ولهذا لم تجر عادة السلف بأن يهدوا إليه ثواب الأعمال؛ لأن له مثل ثواب أعمالهم بدون الإهداء من غير أن ينقص من ثوابهم شيء، وليس كذلك الأبوان؛ فإنه ليس كل ما يفعله الولد يكون للوالد مثل أجره، وإنما ينتفع الوالد بدعاء الولد ونحوه مما يعود نفعه إلى الأب، كما قال في الحديث الصحيح:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له).
فالنبي صلى الله عليه وسلم فيما يطلبه من أمته من الدعاء؛ طلبه طلب أمر وترغيب ليس بطلب سؤال، فمن ذلك أمره لنا بالصلاة والسلام عليه، فهذا أمر الله به في القرآن بقوله:{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب:٥٦]، والأحاديث عنه في الصلاة والسلام معروفة].
هذا ينبغي أن يكون هو الأول، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر الأمة بالدعاء له، فهو امتثال لأمر الله عز وجل، هذا الأمر الأول.
ثانياً: لأن الناس ينتفعون بدعائهم للنبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه وبالدعاء له بكل وجه من وجوه الدعاء المشروعة؛ لأن الله عز وجل وعدهم بالثواب على ذلك، فوعد من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة أن يصلي عليه عشراً، فهذا من الأمور التي رغب الله فيها وأمر بها.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أصل كل خير، قد جعله الله سبباً لكل خير للأمة إلى قيام الساعة، فالدعاء له من هذا الوجه يكون مشروعاً أكثر من الدعاء لغيره، وإن كان الدعاء مشروعاً لجميع العباد، لكن الدعاء له لا يدخل في صورته الكاملة في مثل الدعاء للآخرين، الدعاء للآخرين قد يكون فيه بعض المحاذير إذا لم يضبط بضوابط الشرع، أما الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم فهو مطلوب مطلقاً، ولذلك سيأتي أيضاً في حديث قادم، أن أحد الصحابة قال:(إني أصلي، كم أترك لك من صلاتي) حتى قال: (لو جعلت لك صلاتي كلها؟) يعني: دعائي كله، فبشر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الداعي بأنه ينتفع بصرف وقته للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء له، وأن ذلك من أعظم القربات ومن أسباب انتفاع هذا الداعي في دينه ودنياه، هذا أمر.