للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكلام على ما ورد من القول بجواز سؤال الله بالمخلوقات]

قال رحمه الله تعالى: [لكن قد روي في جواز ذلك آثار وأقوال عن بعض أهل العلم؛ ولكن ليس في المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ثابت بل كلها موضوعة، وأما النقل عن من ليس قوله حجة فبعضه ثابت وبعضه ليس بثابت.

والحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة وفيه: (بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا).

رواه أحمد عن وكيع عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال إذا خرج إلى الصلاة: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار وأن تدخلني الجنة، وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضي صلاته)].

هذا الحديث سيتكلم عنه الشيخ ويبيّن أنه ضعيف ولا يكون حجة في مثل هذه الأمور، لكن هذه العبارة ذكر الشيخ في مواضع كثيرة من كتبه، وذكر غيره، وسيذكر أيضاً هنا أن مسألة الكلام بحق السائلين كلام مجمل؛ لأن الإنسان إذا طلب الله عز وجل أو دعا الله بحق السائلين فيحتمل هذا عدة احتمالات، نكتفي منها باحتمالين، الاحتمال الأول: أن يقصد بذلك ما وعد الله به من حق لا يقصد الإجابة على الله، فهذا ربما يكون مشروعاً لكن يجب أن يتفادى كلمة (حق السائلين)، يقول: اللهم إني أسألك بعملي هذا؛ لأن الله عز وجل وعد المؤمنين بأن يجزيهم على الأعمال الصالحة، بمعنى أن يتوسل إلى الله بعمله كما فعل أصحاب الغار الذين سيذكر قصتهم الشيخ بعد قليل، فهذا من الأمور المشروعة، لكن العبارة فيها لبس، وإن قصد المعنى الآخر أو الاحتمال الآخر وهو أنه يعتقد أن لله حقاً على العباد غير ما أوجبه الله على نفسه، كما تقول المعتزلة: يجب على الله أن يجزي المطيع وأن يعذّب العاصي من باب الإلزام من المخلوق للخالق فهذا لا يجوز.

إذاً: العبارة فيها معنى حق ومعنى باطل، والشيخ رد الحديث من حيث إنه ضعيف في السند، لكن هذه العبارات لها معانٍ قد تكون صحيحة، فينبغي أن نتنبه لذلك.

قال رحمه الله تعالى: [وهذا الحديث هو من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد، وهو ضعيف بإجماع أهل العلم.

وقد روي من طريق آخر وهو ضعيف أيضاً، ولفظه لا حجة فيه، فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم وحق العابدين أن يثيبهم، وهو حق أحقه الله تعالى على نفسه الكريمة بوعده الصادق باتفاق أهل العلم، وبإيجابه على نفسه في أحد أقوالهم، وقد تقدم بسط الكلام على ذلك.

وهذا بمنزلة الثلاثة الذين سألوه في الغار بأعمالهم، فإنه سأله هذا ببره العظيم لوالديه، وسأله هذا بعفته العظيمة عن الفاحشة، وسأله هذا بأدائه العظيم للأمانة].

قوله: (هذا)، يعني حق السائلين وهو التوسل بالعمل الصالح، وهو القسم الأول الذي سبق ذكره عند تقسيم التوسل، وهذا استطراد من الشيخ ليبيّن وجوه التشابه بين هذه الأقسام والوجه الجائز والوجوه الباطلة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [لأن هذه الأعمال أمر الله بها ووعد الجزاء لأصحابها، فصار هذا كما حكاه عن المؤمنين بقوله: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} [آل عمران:١٩٣].

وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:١٠٩].

وقال تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٥ - ١٦].

وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في السحر: اللهم دعوتني فأجبت، وأمرتني فأطعت، وهذا سحر فاغفر لي].