[ابتغاء الوسيلة إلى الله بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ففرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وطريق أهل الجنة وطريق أهل النار، وبين أوليائه وأعدائه.
فالحلال ما حلله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، وقد أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، فعلى كل أحد أن يؤمن به وبما جاء به ويتبعه في باطنه وظاهره، والإيمان به ومتابعته هو سبيل الله وهو دين الله، وهو عبادة الله، وهو طاعة الله، وهو طريق أولياء الله، وهو الوسيلة التي أمر الله بها عباده في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[المائدة:٣٥]، فابتغاء الوسيلة إلى الله إنما يكون لمن توسل إلى الله بالإيمان بمحمد واتباعه.
وهذا التوسل بالإيمان به وطاعته فرض على كل أحد باطناً وظاهراً، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته؛ في مشهده ومغيبه، لا يسقط التوسل بالإيمان به وبطاعته عن أحد من الخلق في حال من الأحوال بعد قيام الحجة عليه، ولا بعذر من الأعذار، ولا طريق إلى كرامة الله ورحمته والنجاة من هوانه وعذابه إلا بالتوسل بالإيمان به وبطاعته.
وهو صلى الله عليه وسلم شفيع الخلائق، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، فهو أعظم الشفعاء قدراً وأعلاهم جاهاً عند الله.
وقد قال تعالى عن موسى:{وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}[الأحزاب:٦٩]، وقال عن المسيح:{وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}[آل عمران:٤٥]، ومحمد صلى الله عليه وسلم أعظم جاهاً من جميع الأنبياء والمرسلين، لكن شفاعته ودعاءه إنما ينتفع به من شفع له الرسول ودعا له، فمن دعا له الرسول وشفع له توسل إلى الله بشفاعته ودعائه، كما كان أصحابه يتوسلون إلى الله بدعائه وشفاعته، وكما يتوسل الناس يوم القيامة إلى الله تبارك وتعالى بدعائه وشفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.
ولفظ التوسل في عرف الصحابة كانوا يستعملونه في هذا المعنى].
قبل أن يبدأ الشيخ تفصيله في التوسل أحب أن أشير أنه في هذه المقدمة أشار الشيخ إلى مجمل الموضوع وسيفصل فيما بعد، فأشار إلى حقيقة التوسل التي سيتكلم عنها؛ لأن المخالفين خالفوا في مفهوم التوسل وحقيقته فوقعوا في البدع، وذكر بإيجاز أن حقيقة التوسل هو التقرب إلى الله عز وجل، وأن كل تقرب على نحو مشروع إلى الله بالعبادة والدعاء واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ذلك هو التوسل الحقيقي، وأنه يدخل في التوسل صور أيضاً هي نوع من التقرب، لكن يخفى أمرها على الناس، وقد أشار شيخ الإسلام هنا إلى شيء منها، وهي التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، أي: بطلب الدعاء منه، وهذه سيتكلم عنها الشيخ كثيراً؛ لأن الناس توهموا في مثل هذه الصورة أن التوسل يكون بذات النبي صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً، وأن التوسل يكون بدعائهم من دون الله وصرف أنواع العبادة له أو لغيره من الخلق، فأراد أن يستفتح هذا الكتاب بهذه المقدمة التي ضمنها المفهوم الصحيح عن حقيقة التوسل، وأنه يعني التقرب إلى الله بعبادته بما شرع هو سبحانه وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الصور الأخرى التي تخرج عن هذا المعنى ملحقة به وهي صور محدودة، كالتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وما سيذكره أيضاً فيما بعد من طلب الدعاء من المسلمين أو من الرجل الصالح، وأن هذا ليس فيه توسل بالذوات، إنما فيه طلب لأمر مشروع، وهو أن تطلب من المسلم أن يدعو لك وهو قادر حي مستطيع، وهذا من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب النصيحة لعامة المسلمين وخاصتهم، لا من باب التبرك أو التوسل بالذوات كما يفعل كثير من الجهلة.