[توسل الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته]
قال رحمه الله تعالى:[وأجمع أهل العلم على أن الصحابة كانوا يستشفعون به ويتوسلون به في حياته بحضرته، كما ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بـ العباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا؛ فيسقون.
وفي البخاري أيضاً عن ابن عمر أنه قال: ربما ذكرت قول الشاعر -وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل] طبعاً يقصد بقوله: (ثمال اليتامى): أي مغيث اليتامى، وعصمة، أي: كافل.
قال رحمه الله تعالى: [والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكره عمر بن الخطاب قد جاء مفسراً في سائر أحاديث الاستسقاء، وهو من جنس الاستشفاع به، وهو أن يطلب منه الدعاء والشفاعة، ويطلب من الله أن يقبل دعاءه وشفاعته، ونحن نقدمه بين أيدينا شافعاً وسائلاً لنا بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك معاوية بن أبي سفيان -لما أجدب الناس بالشام- استسقى بـ يزيد بن الأسود الجرشي فقال: اللهم إنا نستشفع ونتوسل بخيارنا، يا يزيد! ارفع يديك، فرفع يديه ودعا، ودعا الناس حتى سقوا.
ولهذا قال العلماء: يستحب أن يستسقى بأهل الدين والصلاح، وإذا كانوا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أحسن.
وهذا الاستشفاع والتوسل حقيقته التوسل بدعائه، فإنه كان يدعو للمتوسل به المستشفع به والناس يدعون معه، كما أن المسلمين لما أجدبوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه أعرابي، فقال:(يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، وما في السماء قزعة؛ فنشأت سحابة من جهة البحر، فمطروا أسبوعاً لا يرون فيه الشمس، حتى دخل عليهم الأعرابي -أو غيره- فقال: يا رسول الله! انقطعت السبل، وتهدم البنيان؛ فادع الله يكشفها عنا، فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب ومنابت الشجر وبطون الأودية، فانجابت عن المدينة كما ينجاب الثوب)، والحديث مشهور في الصحيحين وغيرهما].