للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضعف الإنسان، وعجزه، وفقره، دليل على قدرة الله، وقوته، وبقائه، يقول السمعاني: "وفي الأخبار: أن الله أوحى إلى داود: اعرف نفسك واعرفني. فقال: يا رب كيف أعرف نفسي، وكيف أعرفك؟ فأوحى الله إليه: اعرف نفسك بالضعف، والعجز والفناء، واعرفني بالقوة، والقدرة، والبقاء ". (١)

إذن: فمن عرف الله، فهو مهتدي القلب. (٢)

فخلاصة هذه الدلالة: " أن كل أحد يعلم بالضرورة، أنه ماكان موجوداً من قبل ذلك، وأنه صار الآن موجوداً، وأن كل ما وُجد بعد العدم، فلا بُدَّ له من مُوجد، وذلك الموجد ليس هو نفسه، ولا الأبوان، ولا سائر الناس؛ لأن عجز الخلق عن مثل هذا التركيب معلوم بالضرورة، فلا بُدَّ من مُوجد يُخالف هذه الموجودات، حتى يصح منه إيجاد هذه الأشخاص ". (٣)

فكل هذه دلائل وشواهد على التوحيد، والله جل وعلا يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: "أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) " (فصلت ٥٣): يعني: " أوليس في الدلالة التي أقامها على التوحيد كفاية ". (٤)

والشاهد: أن الإمام السمعاني سار في طريقته الاستدلالية في هذا الباب على المنهج القرآني، بعيدا عن الطرائق الفلسفية والكلامية المنحرفة المعقدة التي لا تُوصل إلى نتيجة أو مطلوب. ولذا فهو يحشد الأدلة القرآنية بكل صورها وأشكالها وأنواعها؛ ليدلل على الحقيقة المغروسة في الفطر، وهي أن وجود الله تعالى فطري ضروري لا تنفك عنه النفس البشرية بحال، وهو بهذا يُؤكد على ما قرره القرآن وأصله من دلائل ظاهرة وباطنة، تقود المرء إلى الحقيقة التي لا شك فيها، إلا في أذهان من انحرفت عقولهم، وطمست فطرهم، وهي أن الله تعالى واجب الوجود، وأن وجوده من ذاته، فهو مستغنٍ عن كل أحد، وكل أحد مفتقر إليه، سبحانه الخالق البارئ المبدئ المعيد.


(١) ((السمعاني: تفسير القرآن: ١/ ١٤٢
(٢) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ٤٥٢
(٣) ((الرازي: مفاتيح الغيب: ٢/ ٣٣٢
(٤) ((السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ٦١

<<  <   >  >>