للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولى تلك المواطن، قوله تعالى حكاية عنه: " وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٣٨) " (القصص ٣٨)، وقوله جل وعلا: " وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا " (غافر ٣٦ - ٣٧): معلوم أن الإله الحق، كامل الصفات، عالم بما كان وبما سيكون، لا يخفى عليه شيء، ولذا هُنا عَبَّر فرعون بلفظ الظن، الذي محتواه شك ووهم، ويتنزه عنه الإله، فلو كان فرعون إلها حقاً، لعلم علماً يقينياً، ولكن هذا شأن الدجالين، الذين تقوم عقائدهم على التخيل الفاسد. وكذا لما لم يقطع بالنفي، دَلَّ على جهله المطبق الذي يتنزه عنه الإله الحق المبين.

والموطن الثاني: قوله تعالى: " وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (٢٦) " (غافر ٢٦): هنا يُظهر فرعون الدَّعي، مكنون ضعفه، وشدة عجزه، وخوفه وإشفاقه، من أن يبدل موسى دينه، أو أن يظهر في الأرض الفساد على زعمه. ألست تزعم أنك رب وإله! فلِمَ الخوف والخشية، والحيطة والحذر، لذا حكى الله جل وعز عنه قوله: " فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (٥٦) " (الشعراء ٥٣ - ٥٦): يقول الرازي: " والغرض من هذه المعاذير، أن لا يتوهم أهل المدائن، أنه منكسر من قوم موسى، أو خائف منهم " (١)، والحال أنه متناقض في نفسه، ففيه ما يناقض دعواه.


(١) ((الرازي: مفاتيح الغيب: ٢٤/ ٥٠٦

<<  <   >  >>