للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الشيخ العثيمين (١): " فلا تتوهمن أن قوله: " سنفرغ ": أنه كان مشغول وسيفرغ. بل هذه جملة وعيدية، تُعبِّر بها العرب، والقرآن الكريم نزل بلغة العرب " (٢).

وقد نقل السمعاني عن الزجاج: أن الفراغ يكون على وجهين: أحدهما: افراغ من الشغل، والآخر: بمعنى القصد؛ كالرجل يقول لغيره: قد تفرغت لأذاي ومكروهي، أي أخذت في كروهي وأذاي، ويقول الرجل لغيره: اصبر حتى أتفرغ لك، أي: أقصدك وأعمدك، فمعنى قوله (سنفرغ لكم) أي: سنقصد ونعمد بالمؤاخذة والمجازاة (٣).

فالناظر إلى طريقة السمعاني في تقرير مسائل هذا الباب، يُدرك مدى موافقته لمذهب السلف، اتباعا، ومنهجا، واستدلالا، وقلما ينجو من يخوض في هذا الباب، أو يُقعد له، إلا من سلم من مناهج الفلاسفة والمتكلمين، فكم رأينا انحراف الطوائف المخالفة لأهل السنة والجماعة في هذا الباب، فقد ذهبت مذاهب مختلفة في تقرير وجود الله تعالى، يصعب على المتخصص فهمها وإدراكها، فضلا عن العامي الذي يُطالب بالنظر، أو القصد إلى النظر، أو الشك، أو نحو ذلك مما يُقررونه في هذا الباب، ولذا حين خالفوا طريقة القرآن في تقرير هذه المسألة، وقعوا في إشكالات وصعوبات أدت بهم إلى الوقوع في التناقضات، وألحقوا الحرج بالمكلفين بما أوجبوه عليهم من أمور لم يوجبها الشرع عليهم.

وقد سلم الإمام السمعاني من كل هذه الإشكالات حين سار على منهج السلف القائم على التسليم لطريقة القرآن، وهو ما عبَّر عنه السمعاني بقوله:"وإنما علينا أن نقبل ما عقلناه إيمانا وتصديقا، وما لم نعقله قبلناه تسليما واستسلاما، وهذا معنى قول القائل من أهل السنة: إن الإسلام قنطرة، لا تعبر إلا بالتسليم (٤) ".


(١) ((العثيمين: محمد بن صالح، فقيه، عالم، مفسر، أصولي، اشتغل بالعلم والتدريس، له مؤلفات عدة منها: نبذة في العقيدة، توفي عام ١٤٢١ هـ
(٢) ((العثيمين: تفسير الحجرات، الحديد، دار الثريا، الرياض، ط ١، ١٤٢٥ هـ. (٣١٥).
(٣) - السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ٣٢٩
(٤) - السمعاني: الانتصار: ٨٣

<<  <   >  >>