للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يقرر السمعاني ما جاء به القرآن على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام، من أن دعوة القرآن متسقة مع دعوات الأنبياء لأقوامهم، إنما جاءوا لتوحيد الله تعالى في إلهيته، فقال تعالى مع أول الرسل: (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم)، قال السمعاني: معناه: آمركم ألا تعبدوا إلا إياه، والعبادة التوحيد، وإنما بدأ به؛ لأنه من أهم الأمور (١)، وهذا هو دين الأنبياء جميعا، يقول السمعاني: واعلم أن الشرائع مختلفة، ولكل قوم شريعة ... وأما الدين في الكل واحد، وهو التوحيد (٢).

والمتتبع دعوات الأنبياء جميعا، يجد أنهم كانوا على مسار واحد في النوع، كما قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم حين كلمته خديجة: هذا النتموس الذي جاء موسى، وهو ما يسميه شيخ الإسلام بالمسلك النوعي الذي يجمع دعوات الرسل. ولذا أمر الله تعالى أنبياءه ورسله بالثبات على التوحيد، فقال سبحانه: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ... أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، يقول السمعاني: أي: اثبتوا على التوحيد (٣)، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ولا تكونن من المشركين)، يقول السمعاني: أي: اثبت على التوحيد (٤).

وهذه المسائل الكبرى مما لايصح فيها الاختلاف، حتى قال السمعاني عن الاختلاف في التوحيد: من خالف أصله كان كافرا، وعلى المسلمين مفارقته والتبرء منه؛ وذلك لأن أدلة التوحيد كثيرة ظاهرة متواترة، قد طبقت العالم وعمَّ وجودها في كل مصنوع، فلم يُعذر أحد بالذهاب عنها (٥).


(١) - السمعاني: تفسير القرآن: ٢/ ٤٢٣
(٢) - السمعاني: مرجع سابق: ٢/ ٤٣
(٣) - السمعاني: مرجع سابق: ٥/ ٦٨
(٤) - السمعاني: مرجع سابق: ٤/ ١٦٣
(٥) - السمعاني: قواطع الأدلة: ٢/ ٣٠٨

<<  <   >  >>