للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الإمام أبو الحسن الأشعري: " وفي النُسَّاك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم، من الزنا وغيره، مباحات لهم. وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله سبحانه، ويأكلوا من ثمار الجنة، ويعانقوا الحور العين في الدنيا، ويحاربوا الشياطين. ومنهم من يزعم أن العبادة، تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين " (١).

ونُقِلَ عن الباطنية زعمهم: " أن من عرف معنى العبادة، سقط عنه فرضها، وتأولوا في ذلك قوله: " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩) " (الحجر ٩٩)، وحملوا اليقين، على معرفة التأويل " (٢).

ونُقِلَ عن الصابئين غلو مقيت، " فإنه يبلغ الأمر بهم، إلى أن يخصي الواحد نفسه، ويسمل عيني نفسه؛ اجتهاداً في العبادة. والذي عند الهنود أكثر من هذا كله، فإنهم لا يزالون يحرقون أنفسهم في النار؛ تقرباً إلى البد، ولا يزالون يرمون أنفسهم من أعالي الجبال كذلك، وعباد الهند لا يمشون إلا عراة " (٣).

وقد نُقل عن النسطورية ـ إحدى فرق النصارى ـ في غلوهم، " أنهم قالوا: إذا اجتهد الرجل في العبادة، وترك التغذي باللحم، والدسم، ورفض الشهوات الحيوانية والنفسانية، تصفى جوهره، حتى يبلغ ملكوت السموات، ويرى الله جهرة، وينكشف له ما في الغيب، فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء " (٤).

ولا يزال الغلو ونقيضه في العبادة، موجوداً في هذه الأمة، فإنه كما وُجد في الأمم السابقة، وفي الديانات والملل اللاحقة، فوجوده في هذه الأمة نذير شر، فإن الله تعالى حذر أهل الكتاب منه فقال: " يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ " (النساء ١٧١)


(١) ((أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: المكتبة العصرية، ط ١، ١٤٢٦ هـ، (١/ ٢٢٥)
(٢) ((عبدالقاهر البغدادي: الفرق بين الفِرق: دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط ٢، ١٩٧٧ م (٢٨٠)
(٣) ((ابن حزم: الفِصل في الملل والأهواء والنِّحل: ٢/ ٦٣
(٤) ((الشهرستاني: الملل والنحل: ٢/ ٣٠

<<  <   >  >>