للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي ذكره لأحد الأقوال في تفسير قوله تعالى:" وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ" (الجن ١٨)، قال: (إنها بمعنى السجود، وهي جمع مسجد، يقال: سجدت سجودا ومسجدا، والمعنى: أن السجود لله يعني: هو المستحق للسجود" (١).

وهذا هو المعنى المعروف في لغة العرب:

يقول ابن الأنباري: "وقولهم: قد سجد الرجل، معناه: قد انحني وتطامن، ومال إلى الأرض، ومن قول العرب: قد سجدت الدابة، وأسجدت، إذا خفضت رأسها لتركب، ويقال: قد سجدت النخلة، إذا مالت، ويكون السجود على جهة الخشوع والتواضع، والتذلل لله، ويكون السجود على معنى التحية" (٢).

ويقول أبو نصر الجوهري: "سجد: خضع، ومنه سجود الصلاة، وهو وضع الجبهة على الأرض، والاسم السِجدة بالكسر" (٣).

ويقول الإمام الطبري: "وأصل السجود: الانحناء لمن سُجد له معظما بذلك، فكل منحن لشيء تعظيما له، فهو ساجد" (٤)، ويقول الإمام ابن تيمية: "ولفظ السجود: يستعمل في اللغة: لخضوع الجمادات وغيرها، كالبيت المعروف:

بجيش تضل البلق في حجراته ... ترى الأكم فيه سجدا للحوافر

قال ابن قتيبة: حجراته: جوانبه، يُريد أن حوافر الخيل قد بلغت الأكم ووطئتها، حتى خشعت وانخفضت" (٥).

المسألة الرابعة:

ذكر الإمام السمعاني هذه العبادة العظيمة (السجود) عن المخلوقات في عدة مواطن وهي كالآتي:

أ ـ سجود الملائكة، وعلة امتناع ابليس من السجود لآدم:

قد حكى القرآن الكريم هذا المشهد في أكثر من موضع، والقارئ حين يقرأ تلك المواضع، يشاهد مدى الحسد الذي ملأ الشيطان، والكبر الذي منعه من امتثال أمر الله تعالى، فالله جل وعز يقول:


(١) ((السمعاني: تفسير القرآن:٦/ ٧٠
(٢) ((ابن الأنباري: الزاهر:١/ ٤٧
(٣) ((الجوهري: الصحاح، دار العلم، بيروت، ط ٤، ١٤٠٧ هـ (٢/ ٤٨٣)
(٤) ((الطبري: جامع البيان:٢/ ١٠٤
(٥) ((ابن تيمية: جامع الرسائل:١/ ٣٨

<<  <   >  >>