للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن أصحاب القول الأول جعلوا الآية إنما سيقت أصالة في إثبات وحدانية الرب وتفرده بالربوبية والتدبير، ثم هي تدل بدلالة اللزوم على استحقاق الرب جل وعلا للعبادة وحده دونما سواه.

وأن أصحاب القول الثاني: فقد جعلوا الآية سيقت أصالة في إثبات توحيد العبادة، ثم هي تدل بدلالة التضمن على وحدانية الرب جل وعلا.

وترتب عليه الفرق في معنى الفساد:

فعلى القول الأول: يصير معنى الفساد المذكور في الآية هو اختلال النظام بوقوع المنازعة والمضادة.

وعلى القول الثاني: يصير معنى الفساد هو الفساد المعنوي المناقض للصلاح، المتعلق بأفعال العباد وأحوالهم، ولا صلاح لنظام الكون إلا بالحق والعدل والتوحيد، فلو كانت هناك آلهة تعبد بحق؛ لأصبح الشرك عدلاً، والكفر صلاحاً، وهذا من أعظم الفساد (١).

والخلاف في هذه الآية كالخلاف في آيةالإسراء (٤٢):" قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا"فقد ذكر السمعاني في معناها قولبن:

أحدهما: إذن لطلبوا إلى ذي العرش سبيلا بالتقرب إليه، والآخر: إذن لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا بالمفازة والمغالبة وطلب الملك، وقال السمعاني: " وهو الأصح " (٢).

وقد ذهب إلى القول الأول: الذي يدل على أن المقصود من الآية، الدلالة على توحيد الإلهية، الإمام الطبري (٣)، ورجحه الإمام ابن تيمية (٤).

في حين ذهب أكثر المفسرين إلى القول الثاني: القاضي بأن الآية سيقت لاستحقاق

الوحدانية، وهذا المنقول عن جماعة من السلف (٥)،، ولعل الأقرب والله أعلم هو أن سياق الآيتين ومقصودهما الأساس في توحيد العبادة مع تضمنهما لتوحيد الربوبية لما سبق ذكره.

الجهة الثانية: الاستدلال بنقص الآلهة الباطلة وعجزها عن استحقاق الألوهية:

وهذه الدلالة جاءت على عدة صور:

الأولى: نقصها من جهة الكمال الذي يتصف به الإله:


(١) ينظر: عبدالله القرني: المعرفة في الإسلام ٥٣٣ - ٥٣٩، السلمي: حقيقة التوحيد:٢١٨ - ٢٢٥ - ٢٣٢.
(٢) السمعاني: تفسير القرآن:٣/ ٢٤٣.
(٣) الطبري: جامع البيان:١٧/ ٤٥٤.
(٤) ابن تيمية: منهاج السنة النبوية:٣/ ٣٠٤ - ٣٣٤.
(٥) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن:١٠/ ٢٦٥.

<<  <   >  >>