للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا ذهب إلى هذا المعنى بعض المفسرين، وجعلوا المراد من الفساد: اختلال نظام المخلوقات، ومن ذهب لهذا، الإمام السمعاني، فقد قال: ومعنى الفساد في السماء والأرض، إذا كان الإله اثنين، هو فساد التدبير، وعدم انتظام الأمر، بوقوع المنازعة والمضادة، وهو أيضا معنى قوله تعالى:" وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " (المؤمنون ٩١) (١).

ومما يدل على اختياره هذا، هو أن هذه الآية مسوقة لبيان وحدانية الله تعالى، هو تفسيره لقوله جل وعلا:" قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا" (الإسراء ٤٢)، فقد نقل فيها قولان، ثم قال: " والآخر وهو الأصح: إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا بالمفازة والمغالبة وطلب الملك، وهذا مثل قوله تعالى:" لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا " " (٢).

الثاني: أن الآية دالة على توحيد العبادة أصالة، وإنما تدل على الربوبية من جهة التضمن، وبهذا المعنى فسر الآية الإمام الطبري فقال: " لو كان في السماوات والأرض آلهة تصلح لهم العبادة سوى الله، الذي هو خالق الأشياء، وله العبادة والألوهية التي لا تصلح إلا له، لفسدتا، يقول: لفسد أهل السماوات والأرض " (٣)،وإلى هذا ذهب الإمام ابن تيمية، وفيها يقول: " في هذه الآية بيان امتناع الألوهية من جهة الفساد الناشيء عن عبادة ماسوى الله تعالى؛ لأنه لا صلاح للخلق إلا بالمعبود المراد لذاته، من جهة غاية أفعالهم، ونهاية حركاتهم، وما سوى الله لا يصلح، فلو كان فيهما معبود غيره، لفسدتا من هذه الجهة " (٤).

واستدل هؤلاء كما يقول شارح الطحاوية، بأن الله جل وعلا، أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره، ولم يقل أرباباً (٥)، فدل على الفرق لتباين المقصود، والمراد من اللفظين المدلولين. والفرق بين القولين:


(١) السمعاني: تفسير القرآن:٣/ ٣٧٤.
(٢) السمعاني: تفسير القرآن:٣/ ٢٤٣.
(٣) الطبري: جامع البيان:١٨/ ٤٢٥ ..
(٤) ابن تيمية: منهاج السنة النبوية:٣/ ٣٣٤.
(٥) ابن أبي العز: شرح العقيدة الطحاوية، وزارة الشؤون الإسلامية، ط ١، ١٤١٨ هـ.

<<  <   >  >>