للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والهوى: بهذا الاعتبار مختص بالأراء والاعتقادات؛ لأن هناك فرقا بين الهوى والشهوة، فالهوى ماذكرنا، والشهوة مختصة بنيل المستلذات، فصارت الشهوة من نتائج الهوى، والهوى أصل وهو أعم (١). والهوى يعمي صاحبه ويصمه، ويسقطه في عواقب المهلكات، ولذلك العاقل من يتفكر في عواقب الهوى، فينظر كم فضيلة فوتها، وكم رذيلة واقعها، والعاقل من يتفكر في ضدها، من اكتساب الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة (٢).

فالهوى مذموم، قال ابن عباس: ماذكر الله تعالى الهوى في موضع إلا ذمه (٣)، وورد ذكر الإله على الهوى المتبع (٤)، كما قال تعالى:" أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ" (الجاثية ٢٣)، والإنسان بحاجة لمجاهدة هواه، وهو لايخلو عن أحوال ثلاثة:

١/أن يغلبه الهوى، فيملكه ولا يستطيع له خِلافاً، وهو حال أكثر الخلق.

٢/أن يكون الحرب بينهم سجالاً تارة لها اليد، وتارة عليها اليد، فهذا الرجل من المجاهدين.

٣/أن يغلب هواه فيصير مستوليا عليه لايقهره بحال من الأحوال، وهذا هو الملك الكبير، والنعيم الحاضر، والحرية التامة، والخلاص من الرق (٥).

والخلاصة: أن الهوى مخرج عن هذا النوع من التوحيد، فكل من اتبع هواه فقد اتخذه معبودا، وإذا تأملت عرفت أن عابد الصنم لا يعبده إنما عبد هواه، وهو ميل نفسه إلى دين آبائه فيتبع ذلك الميل (٦)، ولذا كان أضل الضلال: اتباع الظن والهوى (٧).


(١) الماوردي: أدب الدنيا والدين، دار مكتبة الحياة ١٩٨٦ م (٣٨).
(٢) ابن الجوزي: ذم الهوى:١٤ - ١٥.
(٣) ابن الجوزي: ذم الهوى:١٢.
(٤) ابن رجب: كلمة الإخلاص: المكتب الإسلامي-بيروت، ط ٤، ١٣٩٧ هـ (٢٥)
(٥) الغزالي: ميزان العمل: دار المعارف-مصر، ط ١، ١٩٦٤ هـ (٢٤١).
(٦) المقريزي: تجريد التوحيد المفيد:٧.
(٧) ابن تيمية: مجموع الفتاوى:٣/ ٣٨٤.

<<  <   >  >>