للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن مسائل الفضل بن زياد: للإمام أحمد، أنه قال: كتبت إلى أبي عبدالله أسأله عن حديث ابن عباس: (إياكم والغلو)، مامعنى الغلو؟: فأتاني بالجواب: يغلو في كل شيء، في الحب والبغض (١).

فدين الله تعالى وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، فمن جفا فقد فرَّط، ومن غلا فقد أفرط، فمن جفا عن كمال الامتثال، أو غلا وجاوز كمال الامتثال، فقد وافق هوى الشيطان، ولذا "ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط من الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين: فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه: مضيع له هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد " (٢).

ب/وأما دليله: فقد استدل السمعاني ببعض النصوص الواردة في السنة المؤيدة للقرآن، الناهية عن الوقوع في الغلو في الدين، ومجاوزة الحد فيه، فاستدل (٣) بحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو) (٤)، يقول الإمام ابن القيم تعليقا على الحديث: "عام في جميع أنواع الغلو بين الاعتقاد والأعمال" (٥)، وقد جاء في السنة المطهرة ما يوافق هذا المعنى ويعضده، فعن عبدالله ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هلك المتنطعون) قالها ثلاثا (٦).

قال ابن الجوزي: "التنطع: التعمق والغلو، والتكلف لما يؤمر به" (٧).


(١) ابن القيم: بدائع الفوائد:٤/ ٩٦.
(٢) ابن القيم: مدارج السالكين: ٢/ ٤٦٤.
(٣) اخرجه ابن ماجه في سننه، باب قدر حصى الرمي، دار إحياء الكتب العربية، ح (٣٠٢٩) (١٠٠٨).
(٤) السمعاني: تفسير القرآن:١/ ٥٠٥.
(٥) ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم ١/ ٣٢٨.
(٦) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب العل: باب هلك المتنطعون، ح (٢٦٧٠) ..
(٧) ابن الجوزي: غريب الحديث، دار الكتب العلمي-بيروت، ط ١،١٤٠٥ هـ، (٢/ ٤١٨)

<<  <   >  >>