للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن الأثير: "هم المتعمقون والمغالون في الكلام، المتكلمون بأقصى حلوقهم، مأخوذ من النطع وهو الغار الأعلى من الفم، ثم اُستعمل في كل تعمق، قولا وفعلا" (١).

وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفر له كماتقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) (٢)، وهنا يعلق الإمام ابن القيم فيقول: "والغلو نوعان: نوع يخرج صاحبه من كونه مطيعا، كمن زاد في الصلاة ركعة، أو صام الدهر مع أيام النهي، أو رمى الجمرات بالحجرات الكبار، التي يرمى بها في المنجنيق، أو سعى بين الصفا والمروة عشراً، إلى نحو ذلك عمدا، وغلو يخاف منه الانقطاع والإستحسار، كقيام الليل كله، وسرد لصيام الدهر أجمع، بدون صوم أيام النهي، والجور على النفوس في العبادات والأوراد" (٣).

ج/ وأما خطورته: فهو الذي أوقع اليهود والنصارى في الغلو في المسيح - عليه السلام -، ولذا يقول السمعاني: "الغلو غير محمود في الدين" (٤)، ويقول: "وهو مذموم وكذلك التقصير، ودين الله بين الغلو والتقصير" (٥).

ويقول ابن القيم مبينا خطورة الغلو: "ومن أسباب عبادة الأصنام: الغلو في المخلوق، وإعطاؤه فوق منزلته، حتى جُعل فيه حظ من الإلهية، وشبهوه بالله سبحانه" (٦).


(١) ابن الأثير: الآية:٥/ ٧٤
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب النكاح: باب الترغيب في النكاح، ح (٥٠٦٣).
(٣) ابن القيم: مدارج السالكين:٢/ ٤٦٥
(٤) السمعاني: تفسير القرآن:١/ ٥٠٥
(٥) السمعاني: تفسير القرآن:٢/ ٦٢
(٦) ابن القيم: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، مكتبة المعرف، الرياض، (٢/ ٢٢٦).

<<  <   >  >>