للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع هذا لجواب الذي ذكره السمعاني من فائدة الدعاء من إبراهيم الخليل، إلا أن الرازي، يقول: حتى على هذا التفسير، لا يزال السؤال باقياً، " لما كان من المعلوم أنه تعالى، يثبت الأنبياء ـ عليهم السلام ـ على الاجتناب من عبادة الأصنام، فما الفائدة في هذا السؤال ". ويتابع الرازي حديثه، مبيناً الفائدة من هذا السؤال فيما ظهر له فيقول: " والصحيح عندي في الجواب وجهان: الأول: أنه عليه السلام، وإن كان يعلم أنه تعالى يعصمه من عبادة الأصنام، إلا أنه ذكر ذلك هضماً لنفسه، وإظهاراً للحاجة والفاقة إلى فضل الله في كل المطالب. والثاني: أن الصوفية يقولون: إن الشرك نوعان: شرك جلي، وهو الذي يقول به المشركون، شرك خفي: وهو تعليق القلب بالوسائط والأسباب الظاهرة، والتوحيد المحض هو أن ينقطع نظره عن الوسائط، ولا يرى متصرفاً سوى الحق سبحانه وتعالى، فيحمل أن يكون قوله " وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ " المراد منه: أن يعصمه عن هذا الشرك الخفي، والله أعلم بمراده " (١)

ويقول التستري: " فهذا كله تبرء من الحول والقوة، بالافتقار إليه " (٢)

وأورد السمعاني احتمالين، لفهم قول إبراهيم الخليل: " وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " (إبراهيم ٣٦)، إذ الشرك غير مغفور؛ فقال السمعاني: يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه قال هذا قبل أن يُعلمه الله، أنه لا يغفر الشرك.

والآخر: أن المراد من العصيان، هو ما دون الشرك. (٣)

ونزع الرازي، إلى أن المقصود من هذه الآية، شفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر قبل التوبة (٤). والجمهور على أن المقصود، بالمعصية هنا، عبادة الأوثان، ولكن على ما يحمل قوله؟ إما على أنه لم يُعلمه الله أنه لا يغفر الشرك، أو أنه عبد الأوثان ثم تاب منها. (٥)


(١) الرازي: مفاتيح الغيب: ١٩/ ١٠١
(٢) التستري: تفسير التستري: دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤٢٣ هـ، (١٢٤)
(٣) السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ١٢٠
(٤) الرازي: مفاتيح الغيب: ١٩/ ١٠٢
(٥) ابن أبي زمنين: تفسير القرآن العزيز

<<  <   >  >>