للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكلامه هذا يُفسِّر معنى كلامه الأول، إذ المقصود بعدم التفسير هو الدخول فيما لا يجوز، ولا يحل، من التقول على الله بغير علم، والخوض فيما أخفى الله عنا حقائقها، والسكوت عنها هو العلم، وكذا علَّق الإمام الذهبي، على ما ذكره من أثر أبي عبيد، وأوضح المراد فقال: " ... فعُلِمَ قطعاً أن قراءتها وإمرارها على ما جاءت هو الحق، لا تفسير لها غير ذلك، فنؤمن بذلك، ونسكت اقتداء بالسلف، معتقدين أنها صفات الله تعالى، استأثر الله بعلم حقائقها، وأنها لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته المقدسة لا تماثل ذوات المخلوقين" (١)

وقال الإمام أبو ذر الهروي: " وقد بيَّنا دين الأمة وأهل السنة، أن هذه الصفات تُمر كما جاءت بغير تكييف، ولا تحديد، ولا تجنيس، ولا تصوير " (٢).

وبمثل ما ذُكر يُحمل كلام الإمام السمعاني، حين أطلق على بعض آيات الصفات، أنها من المتشابه، كما قال في قوله تعالى: " وَجَاءَ رَبُّكَ " (الفجر ٢٢): " وهو من المتشابه الذي يُؤمن به ولا يُفسَّر " (٣)، وهو لا يريد بالمتشابه الذي لا يُعلم معناه الحق، بل يقصد بالمتشابه، حقائق المعاني وكيفياتها، فهذا مما اختص الله تعالى بعلمه.

والذي يدل على ذلك، ما ذكره السمعاني بعده، من تأويل أهل الكلام لهذه الصفة، فقال: " وقد أول بعضهم: (وجاء أمر ربك). الصحيح ما ذكرنا " (٤)، فهو أراد أن يثبت أنه مجيء حقيقي، لا كما يقول هؤلاء، لكن حقيقة مجيئه، مما لا يعلمه إلا الله تعالى.

مع أن شيخ الإسلام ابن تيمية، أشار إلى أنه لا يعلم عن أحد من سلف الأمة، أنه جعل آيات الصفات من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله. (٥)


(١) الذهبي: سير أعلام النبلاء: ٨/ ٥٠٩
(٢) الذهبي: سير أعلام النبلاء: ١٣/ ٢١٤
(٣) السمعاني: تفسير القرآن: ٦/ ٢٢٢
(٤) السمعاني: تفسير القرآن: ٦/ ٢٢٢
(٥) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: ١٣/ ٢٩٤

<<  <   >  >>