للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر ابن عطية خِلاف الناس في الاسم الذي يقتضي مدحاً خالصاً، ولا يتعلق به شبهة ولا اشتراك، إلا أنه لم ير منصوصاً، هل يطلق ويُسمى به الله؟ فقال: " فنص الباقلاني على جواز ذلك، ونص أبو الحسن الأشعري على منع ذلك، والفقهاء والجمهور على المنع، وهو الصواب، أن لا يُسمى الله تعالى إلا باسم قد أطلقته الشريعة، ووقفت عليه أيضاً ... واختلف أيضاً في الأفعال التي في القرآن، مثل قوله: " اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ" (البقرة ١٥)، "وَمَكَرَ اللَّهُ " (آل عمران ٥٤)، ونحو ذلك، هل يُطلق منها اسم الفاعل؟ فقالت فرقة: لا يُطلق ذلك بوجه، وجوزت فرقة أن يُقال ذلك مقيداً بسببه، فيقال: الله مستهزئ بالكافرين، وماكر بالذين يمكرون، وأما إطلاق ذلك دون تقييد، ممنوع إجماعاً، والقول الأول أقوى، ولا ضرورة تدفع إلى القول الثاني؛ لأن صيغة الفعل الواردة في كتاب الله تُغني " (١).

ويقول ابن القيم: " أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيداً، أن يشتق له منه اسم مطلق، كما غلط فيه بعض المتأخرين، فجعل من أسمائه الحسنى، المضل، الفاتن، الماكر، تعالى الله عن قوله، فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها، إلا أفعال مخصوصة معينة، فلا يجوز أن يُسمى بأسمائها المطلقة " (٢).

أما ما كان محموداً في حال دون حال، فهذا يوصف به في الحال الذي يكون فيها محموداً، ولا يُسمى به على الإطلاق، كالمكر، والخداع، والاستهزاء، والكيد، فهذه أوصاف إذا ذكرت في مقابل من يعامل بهذه الأوصاف، صارت أوصافاً محمودة، فيوصف الله بها، وإلا فلا " (٣).

وقد أشار السمعاني لأمثلة على هذه القاعدة، ومنها غير ما ورد ذكره:


(١) ابن عطية: المحرر الوجيز: ٢/ ٢٨٠
(٢) ابن القيم: بدائع الفوائد: ١/ ١٦٢
(٣) العثيمين: شرح صحيح البخاري: مكتبة الطبري، القاهرة، ط ١، ١٤٢٩ هـ، (٨/ ٢٨٩)

<<  <   >  >>