للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل الأقرب ما ذكره بعض العلماء من التفصيل والجمع بين القولين، كما ذكره ابن كثير وغيره، بناء على معرفة المعنى المراد من التأويل:

فإن كان المراد من التأويل: حقيقة الشيء وما يؤول إليه أمره، فهنا يكون الوقف على لفظ الجلالة؛ لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله تعالى، ويكون قوله (والراسخون في العلم) مبتدأ، و (يقولون آمنا به) خبره.

وإن كان المراد من التأويل: التفسير والتعبير عن الشيء، فيكون الوقف على قوله: (والراسخون في العلم)؛ لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، فيكون قوله (يقولون آمنا به) حالا منهم (١).

وقال ابن أبي العز: وكلتا القراءتين حق؛ ويراد بالأولى المتشابه في نفسه، الذي استأثر الله تعالى بعلم تأويله، ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله (٢).

وممن حقق القول في المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية، فذكر بعض حكاية القولين في الآية، أنه لا تنافي بينهما، فقال: ولا منافاة بين القولين عند التحقيق؛ فإن لفظ التأويل قد صار بتعدد الاصطلاحات مستعملا في ثلاثة معان:

أحدها: وهو اصطلاح كثير من المتأخرين من المتكلمين في الفقه وأصوله، أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به.

الثاني: أن التأويل بمعنى التفسير، وهذا هو الغالب على اصطلاح مفسري القرآن.

الثالث: هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام.

ثم قال: إذا عرف ذلك، فتأويل ما أخبر الله به عن نفسه المقدسة الغنية بما لها من حقائق الأسماء والصفات، هو حقيقة نفسه المقدسة المتصفة بما لها من حقائق الصفات، وتأويل ما أخبر الله به من الوعد والوعيد، هو نفس ما يكون من الوعد والوعيد (٣).


(١) - ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: ٢/ ١١
(٢) - ابن أبي العز: شرح الطحاوية: ١٨٤
(٣) - ابن تيمية: مجموع الفتاوى: ٣/ ٥٥ - ٤/ ٦٨

<<  <   >  >>