للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر السمعاني أن قوله تعالى، بعد سرد قصة الذبيح: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:١١٢]، هي مستدل من قال بأن الذبيح هو إسماعيل؛ لأنه ذكر قصة الذبيح بتمامها، ثم قال: " وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ "، فدل على أنه كان غير إسحاق.

وأما من قال إنه إسحاق، فقالوا: إن البشارة هنا وقعت بالنبوة لإسحاق، والبشارة الأولى، بولادته، وإعطائه إياه. (١)

وهذه المسألة كما أشار السمعاني، أنها محل نزاع قديم، حتى أٌلفت فيها المؤلفات، ومع ذلك لم يرد فيها نص صريح صحيح، يُقطع به النزاع، ولذا جرى الخلاف عن اجتهاد، وحسن نية، وقد يكون عند بعضهم عن عصبية، وسوء طوية. وهذه المسألة ليست من الأحكام، ولا من أصول الدين، وإنما هي من محاسن الشريعة، وتوابعها، ومتمماتها، لا أمهاتها، كما أشار إليه ابن العربي (٢). فالمسألة اجتهادية، " لا يترتب على الجهل بها خطر على العقيدة، ولا أثر لها في حياة الناس، فأي ابني إبراهيم كان الذبيح، كان فيه وفي أبيه العبرة، وبهما تكون القدوة في الصبر على البلاء، وإيثار طاعة الله. ولا يشين ذلك من لم يكن الذبيح، ولا ينقص قدره، كما أنه لم ينقص قدر كثير من الأنبياء والمرسلين، أنهم لم يحصل لهم مثل ذلك، فالمزية بعينها تدل على الفضيلة، لكنها لا تدل على الأفضلية " (٣).

وقد ذهب بعض العلماء إلى التوقف في هذه المسألة، قال الزجاج: " الله أعلم أيهما كان الذبيح " (٤)، ورجح الشوكاني هذا القول في تفسيره، وقال:" الوقف هو الذي لا ينبغي مجاوزته، وفيه السلامة من الترجيح بلا مرجح، ومن الاستدلال بما هو محتمل " (٥).


(١) السمعاني: تفسير القرآن: ٤/ ٤١٠، وكان السمعاني يميل لهذا القول؛ لأنه ذكر أن من خصائص إسحاق في معرض آخر: أنه صبر حين ابتلي بالذبح. والله أعلم.
تفسير القرآن:٤/ ٤٤٧ - ٣/ ٨
(٢) ابن العربي: أحكام القرآن: ٤/ ٣٠
(٣) الدويش: فتاوى اللجنة الدائمة: ٤/ ٢٩١
(٤) الزجاج: معاني القرآن: ٤/ ٣١١
(٥) الشوكاني: فتح القدير: ٤/ ٤٦٨

<<  <   >  >>