للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- وهنا أُشير إلى مسألة مهمة، تتعلق بالاجتهاد في العقائد: فبعضهم يرى أن العقائد لا يجري فيها باب الاجتهاد؛ لأن العقائد المطلوب فيها الجزم واليقين، وهذا هو الصحيح، لكن هذا يُحمل على غالب أمرها، خاصة في المسائل الكبرى والأصول العظمى؛ لأنه قد يأتي نص مُشكل في ظاهره، فتختلف فيه أنظار العلماء، فيجري الاجتهاد في هذا النص وأمثاله، ولذا فالاجتهاد كما هو حاصل في المسائل العملية، كذلك هو حاصل في المسائل العلمية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية، كما قد بُسط في غير موضع؛ كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث، وكان لذلك ما يعارضه ويُبين المراد ولم يعرفه " (١)، ويقول: " وإني أُقرر أن الله غفر لهذه لأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العلمية" (٢)، لكن قيّد شيخ الإسلام في موطن آخر الاجتهاد في العقائد فقال:" وقد يغفر لأجل تأويل إذا كان مجتهدا، الاجتهاد الذي يُعفى معه عن المخطئ" (٣)، ويُفهم من كلامه: أن ما لا يُعفى معه عن المخطئ، فيعاقب ولا يُعذر (٤).

والاجتهاد كذلك يكون في النوازل المستجدة التي تحدث في الأمة في باب العقائد، يقول الشاطبي بعد أن سرد الآثار عن السلف الذامة للرأي:" ومعلوم أن هذه الآثار الذامة للرأي، لا يمكن أن يكون المقصود بها ذم الاجتهاد على الأصول في نازلة، لم توجد في كتاب ولا سنة ولا إجماع، ممن يعرف الأشباه والنظائر، ويفهم معني الأحكام، فيقيس قياس تشبيه وتعليل، قياسا لم يعارضه ما هو أولى منه، فهذا ليس فيه تحليل وتحريم ولا العكس، وإنما القياس الهادم ما عارض الكتاب والسنة، أو ما عليه سلف الأمة، أو معانيها المعتبرة" (٥).


(١) - ابن تيمية: مجموع الفتاوى: ٢٠/ ٣٣
(٢) - ابن تيمية: مرجع سابق: ٣/ ٢٢٩
(٣) - ابن تيمية: مرجع سابق: ٤/ ١٩٥
(٤) - عبد اللطيف آل الشيخ: منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس، دار الهداية للطبع والنشر، (٢٧٣).
(٥) - الشاطبي: الاعتصام: ٧٩٦

<<  <   >  >>