وبالتأمل في كلام السمعاني يُلحظ أنه لم ينص على أن الاجتهاد ممنوع مطلقا في مسائل المعتقد؛ فإن كلامه السابق يمكن أن يُحمل على أصول المعتقد وما لا خلاف فيه؛ لأنه قال:"فإن الله تعالى أمر في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم باعتقاد أشياء معلومة، لا مزيد عليها ولا نقصان، وقد أكملها "، وهي الأصول الكبرى، وكلامه أيضا فيه احتراز عن المسائل المحتملة، لاختلاف الأدلة من جهة الثبوت والدلالة؛ لأنه قال: أشياء معلومة لا مزيد عليها ولا نقصان، وهذه تصدق على الأصول الكبرى، بدليل أن الصحابة قد اختلفوا في مسائل مستجدة تُعد من فروع العقائد: كاختلافهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه بعيني رأسه، ومسألة عذاب القبر ونعيمه على الروح أم على الجسد أم عليهما؟ ومسألة تعليق التمائم من القرآن، ومسألة طاعون عمواس، وغيرها من المسائل المشهورة في المصنفات والمسانيد، فلا يمكن للسمعاني أن يغلق بابا فتحه الصحابة واجتهدوا فيه ومارسوه عمليا، ومما يدل لذلك: أن السمعاني نفسه بحث جملة من المسائل الفرعية التي هي محل نظر واجتهاد، ولا تُعد من المسائل الكبرى التي أغلق الشارع الخوض فيها؛ كمسألة خلو النار من المعذبين، وما الذي يوزن في الميزان؟ ومسألة وقوع الأنبياء في الصغائر، وغيرها من المسائل التي لا تعود على الأصول الكبرى بالنقض أبدا. فالسمعاني كغيره من العلماء، الذين يتعاطون مع المسائل المستجدة بالبيان والتوضيح، فلا يدل نص السمعاني السابق على غلق باب الاجتهاد في العقائد، بل ينبغي ان يُحمل كما أشرت إلى المسائل الكبرى والأصول العظمى وما لا اختلاف فيه؛ تماشيا مع واقعه العملي.