للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الذي ذكره السمعاني آخراً، من إثبات الحسن للقدر، هو الصحيح المثبت المعروف عند أهل العلم، والسبب الذي لأجله أتهم الحسن وغيره بالقدر، هو ماقاله الإمام أحمد حين قيل له: كان ابن أبي ذئب قدرياً، فقال: الناس كل من شدد عليهم المعاصي، قالوا هذا قدري، ولذا قال ابن تيمية: " ولهذا اتهم بمذهب القدر غير واحد، ولم يكونوا قدرية " ثم قال: " وقد قيل: إنه بهذا السبب، نُسب إلى الحسن القدر؛ لكونه كان شديد الإنكار للمعاصي عليهم، ناهياً عنها " (١)، ولما نقل الذهبي بعض هذه الأقوال في الحسن، قال:" قلت: وقد مَرَّ إثبات الحسن للأقدار من غير وجه عنه، سوى حكاية أيوب عنه، فلعلها هفوة منه، رجع عنها، ولله الحمد " (٢)، قال حماد بن سلمة: عن حميد، سمعت الحسن يقول: خلق الله الشيطان، وخلق الخير، وخلق الشر، فقال رجل: قاتلهم الله، يكذبون على هذا الشيخ. وقال أبوسعيد بن الأعرابي: كان يجلس إلى الحسن طائفة من هؤلاء، فيتكلم في الخصوص، حتى نسبته القدرية إلى الجبر، وتكلم في الاكتساب، حتى نسبته السنة إلى القدر، كل ذلك لافتتانه، وتفاوت الناس عنده، وتفاوتهم في الأخذ عنه، وهو برئ من القدر، ومن كل بدعة (٣). ويقول أيوب السختياني: " أدركت الحسن ـ والله ـ وما يقوله، يعنى القدر " (٤)، وقال الأوزاعي:" لم يبلغنا أن أحداً من التابعين تكلم في القدر، إلا الحسن ومكحول، فكشفنا عن ذلك، فإذا هو باطل ". (٥)

ولذا فقد تولى الدفاع عن الحسن، أئمة الإسلام، فعقدوا في مصنفاتهم ما يرد هذه الشبهة:


(١) ابن تيمية: منهاج السنة: ٣/ ٢٤
(٢) الذهبي: سير أعلام النبلاء: ٤/ ٥٨٣
(٣) الذهبي: سير أعلام النبلاء: ٤/ ٥٨٢
(٤) اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة: ١/ ١٥٠
(٥) الذهبي: ميزان الاعتدال: دار المعرفة، بيروت، ط ١، ١٣٨٢ هـ (٤/ ١٧٨)

<<  <   >  >>