للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن السمعاني يُشير في هذا المقام، إلى أن هذا الحكم يختلف باختلاف الأحوال، فقد تتقدم الموالاة القلبية، أو الرضا والركون للكفار، ويكون معهم نوع من موالاة غير مخرجة من الملة، كما كان من حاطب بن أبي بلتعة ـ رضي الله عنه، ولذا يقول السمعاني مقرراً هذه القضية: " قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:١]، في الآية دليل على أن حاطب لم يخرج من الإيمان بفعله ذلك". (١)

فالموالاة المطلقة العامة للكفار، كفر صريح، والموالاة الخاصة، لغرض دنيوي مع سلامة الاعتقاد، وعدم إضمار نية الكفر والردة، خطر عظيم، لكن لا تخرج من الملة. (٢)

وقد أورد السمعاني في تفسيره لقصة يوسف ـ عليه السلام ـ سؤالاً مفاده:" فإن قيل: هل يجوز أن يتولى المسلم من يد كافر عملاً؟ قلنا قد قالوا: إنه إذا علم أن الكافر يخليه والعمل بالحق، يجوز له أن يتولى " (٣)، وهذا الذي ذهب إليه السمعاني، هو محل نزاع كبير بين العلماء، والجمهور على إباحة العمل للرجل الفاضل، لدى السلطان الكافر، بشروط ذكروها، ولكن ما يُهمنا في مسار بحثنا العقدي، أن هذا العمل متى كان ملجئاً للشخص، أو غير ملجئٍ لكن توفرت فيه شروط الجواز في العمل تحت سلطان كافر؛ لتحقيق مصلحة راجحة للإسلام وأهله، يجب ألا يكون فيه أي نوع موالاة، إلا ما يقتضيه العمل من المخالطة والمجاملة ونحوها. (٤)


(١) السمعاني: تفسير القرآن: ٥/ ٤١٣
(٢) انظر: محماس الجلعود: الموالاة والمعاداة: دار اليقين، ط ١، ١٤٠٧ هـ (١/ ٣٣)
(٣) السمعاني: تفسير القرآن: ٣/ ٤٠
(٤) انظر: خالد عبدالقادر: فقه الأقليات المسلمة: دار الإيمان، لبنان، ط ١، ١٤١٩ هـ، (٦٠٩)

<<  <   >  >>