للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول السمعاني: " وقد ذكر بعض أهل العلم، أن الفطرة هاهنا هي الفطرة التي هي موجودة في كل إنسان. فإن كل أحد يرجع إلى غريزته، عَرَف خالقه، وذلك معنى قوله تعالى: " فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا " (الروم ٣٠). (١)

وتتلاقى هذه الفطرة، وتتمازج سوياً مع العهد الأول، والميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم وهم في عالم الذر، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم؟ قالوا: بلى. إلا أن هذا الميثاق لا تقوم به الحجة وحده، ولذا أرسل الله تعالى الرسل مبشرين ومنذرين.

ويُشار في هذا المقام إلى أن العلماء مختلفون في آية الميثاق: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا " (الأعراف ١٧٢).

هل المقصود به إخراج حقيقي أو إخراج حالي، قولان للعلماء:

فمنهم من يقول: هذا الإشهاد كان لما استخرجوا من صُلب آدم، وهل ثبت النطق والكلام أم لم يثبت؟ قولان:

فقيل: ثبت النطق والكلام، وقيل لم يثبت، وإنما الوارد في الأحاديث: أن الله جل وعلا أراهم آدم، وقال هؤلاء للجنة، وهؤلاء للنار.

وممن نصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، يقول الإمام ابن تيمية: "فأما نطقهم فليس في شيء من الأحاديث المرفوعة الثابتة، ولا يدل عليه القرآن " (٢)

ويقول الإمام ابن القيم: " وبالجملة فالآثار في إخراج الذرية من ظهر آدم، وحصولهم في القبضتين كثيرة، لا سبيل إلى ردها وإنكارها، ويكفي وصولها إلى التابعين، فيكف بالصحابة؟، ومثلها لا يقال بالرأي والتخمين، ولكن الذي دل عليه الصحيح من هذه الآثار إثبات القدر .. فأما نطقهم فليس في شيء من الأحاديث التي تقوم بها الحجة، ولا يدل عليه القرآن " (٣)


(١) ((الأصبهاني: الحجة في بيان المحجة: ٢/ ٤١
(٢) ((ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل: ٨/ ٤٨٤، ابن تيمية: جامع الرسائل: ١/ ١٢
(٣) ((ابن القيم: محمد بن أبي بكر: أحكام أهل الذمة، رمادي للنشر، الدمام، ط ١، ١٤١٨ هـ، (٢/ ١٠٠٦)

<<  <   >  >>