للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاصطلاحي بقوله (وَيُقَال) الْقلب (لجعل الْأَعْلَى أَسْفَل) والأسفل أَعلَى (وَمِنْه) أَي من جعل الْأَعْلَى أَسْفَل (جعل الْمَعْلُول عِلّة، وَقَلبه) أَي جعل الْعلَّة معلولا (فَإِن الْعلَّة) بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْلُول (أَعلَى للأصلية) أَي لكَونهَا أصلا فِي الْإِثْبَات والمعلول فرعا لَهَا فِيهِ، فتبديلها كجعل الْإِنَاء منكوسا (وَإِنَّمَا يُمكن) هَذَا النَّوْع من الْقلب (فِي التَّعْلِيل بِحكم) أَي فِيمَا إِذا علل حكم الأَصْل بِحكم آخر شَرْعِي، ثمَّ يعدي إِلَى الْفَرْع: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي شَيْء لَهُ حيثيتان: الْعلية والمعلولية، وَالْحكم الشَّرْعِيّ إِذا كَانَ عِلّة لمثله فَهُوَ عِلّة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، ومعلول من حَيْثُ إِنَّه لَا بُد فِي كل حكم شَرْعِي من عِلّة، وَمثل هَذَا لَا يتَصَوَّر فِي التَّعْلِيل بِالْوَصْفِ الْمَحْض، لِأَنَّهُ لَا يصير حكما بِوَجْه، والمعلولية مَوْقُوفَة على كَونه حكما، كَذَا قَالُوا (كالكفار يجلد بكرهم). قَالَ الشَّافِعِي: الْإِسْلَام لَيْسَ بِشَرْط الْإِحْصَان حَتَّى لَو زنى الذِّمِّيّ الْحر الْبَالِغ الَّذِي وطئ امْرَأَة فِي الْقبل بِنِكَاح صَحِيح يرْجم، لِأَن الْكفَّار جنس يجلد بكرهم مائَة إِذا كَانَ حرا (فيرجم ثيبهم كالمسلمين) أَي كَمَا أَن الْمُسلمين الْأَحْرَار الْبَالِغين الْعُقَلَاء الواطئين لامْرَأَة فِي الْقبل بِنِكَاح صَحِيح يرجمون، لِأَنَّهُ يجلد بكرهم مائَة، فَجعل جلد الْبكر مائَة عِلّة لوُجُوب رجم الثّيّب فِي الْمُسلمين، وقاس الْكفَّار عَلَيْهِم بِهَذَا الْجَامِع، وَهُوَ حكم شَرْعِي، وَالْبكْر وَالثَّيِّب يطلقان على الذّكر وَالْأُنْثَى (فَيَقُول) الْمُعْتَرض الْحَنَفِيّ لَا نسلم أَن الْمُسلمين إِنَّمَا يرْجم ثيبهم، لِأَنَّهُ يجلد بكرهم بل (إِنَّمَا يجلد بكر الْمُسلمين)، لِأَنَّهُ يرْجم ثيبهم) فَلَا يلْزم رجم الذِّمِّيّ الْمَذْكُور إِذا زنا ثَيِّبًا (فَحَيْثُ جعل) الْمُعْتَرض (الْعلَّة) أَي الَّذِي جعله الشَّافِعِي عِلّة فِي الأَصْل، وَهُوَ جلد الْمِائَة (حكما) فِيهِ، وَمَا جعله حكما فِيهِ رجم الثّيّب عِلّة فِيهِ (لَزِمَهَا) أَي لزم الْعلَّة المجعولة حكما (النَّقْض) لتخلف الحكم عَنْهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا صَارَت بِنَفسِهَا حكما وصارما كَانَ حكما مترتبا عَلَيْهَا عِلّة مُتَقَدّمَة عَلَيْهَا، والمتقدم على الشَّيْء لَا يكون حكما لَهُ فَلَزِمَ تخلف الحكم عَنهُ، وَفِيه أَنه لَا يرد على الشَّافِعِي إِلَّا بحث وَاحِد، وَهُوَ إِنَّمَا جعلته عِلّة لَيْسَ بعلة، وَبعد هَذَا لَا يرد عَلَيْهِ النَّقْض، لِأَن النَّقْض فرع الْعلية، وَقد تقدّمت (وَهُوَ) أَي هَذَا الَّذِي ذكرنَا (قَوْلهم) أَي معنى قَول الْحَنَفِيَّة مُعَارضَة (فِيهَا مناقضة) وَقد سبق أَن الْحَنَفِيَّة يسمون النَّقْض مناقضة، وَإِطْلَاق الْمُعَارضَة عَلَيْهِ من حَيْثُ أَن الْقلب قَابل تَعْلِيل الْمُعَلل بتعليل يلْزم مِنْهُ بُطْلَانه، ثمَّ يلْزم مِنْهُ بطلَان حكمه، لَا بِمَعْنى إِقَامَة الدَّلِيل على خلاف مَا أَقَامَ بِهِ علية الْخصم، فَهُوَ من قبيل إِطْلَاق اسْم الْمَلْزُوم على اللَّازِم، فَلَا يرد شَيْء مِمَّا أطنبوا فِيهِ (والاحتراس عَنهُ) أَي عَن هَذَا الْقلب حَتَّى لَا يُنَافِي إِيرَاده (جعله) أَي الْكَلَام (اسْتِدْلَالا) بِأَن لَا يُعلل أحد الْحكمَيْنِ بِالْآخرِ، بل يسْتَدلّ بِثُبُوت أَحدهمَا على ثُبُوت الآخر، إِذْ لَا امْتنَاع فِي الِاسْتِدْلَال

<<  <  ج: ص:  >  >>