وَأَن يتَخَلَّف عَنهُ ليؤدي مَا كَانَ عِنْده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الودائع إِلَى أَرْبَابهَا.
وَكَانَ الْكفَّار قد اجْتَمعُوا على بَابه يَرْصُدُونَهُ ليثبوا عَلَيْهِ فَأخذ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حفْنَة تُرَاب وتلا أول يس وَجعل ذَلِك التُّرَاب على رُؤُوس الْكفَّار فَلم يروه فَأَتَاهُم آتٍ وَقَالَ: إِن مُحَمَّدًا خرج وَوضع على رؤسكم التُّرَاب، وَجعلُوا ينظرُونَ فيرون عليا عَلَيْهِ برد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَيَقُولُونَ مُحَمَّد نَائِم.
وَكَذَا حَتَّى أَصْبحُوا فَقَامَ عَليّ فعرفوه وَأقَام عَليّ بِمَكَّة حَتَّى أدّى الودائع وَقصد النَّبِي إِذْ خرج من دَاره دَار أبي بكر فَأعلمهُ بِأَن اللَّهِ قد أذن بِالْهِجْرَةِ فَقَالَ أَبُو بكر الصُّحْبَة يَا رَسُول اللَّهِ قَالَ الصُّحْبَة فَبكى أَبُو بكر فَرحا واستأجرا عبد اللَّهِ بن أريقط وَكَانَ مُشْركًا ليدلهما على الطَّرِيق ومضيا إِلَى غَار بثور وَهُوَ جبل أَسْفَل مَكَّة فأقاما بِهِ.
ثمَّ خرجا من الْغَار بعد ثَلَاثَة أَيَّام وتوجها إِلَى الْمَدِينَة ومعهما عَامر بن فهَيْرَة مولى أبي بكر وَعبد اللَّهِ بن أريقط الدَّلِيل وجدت قُرَيْش فِي طلبه وَتَبعهُ سراقَة بن جعْشم المدلجي على فرس لَهُ فَقَالَ أَبُو بكر هَذَا الطّلب لحقنا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لصَاحبه أبي بكر لَا تحزن إِن اللَّهِ مَعنا، فَلَمَّا دنا سراقَة ساخت بِهِ قَوَائِم فرسه إِلَى رُكْبَتَيْهِ فِي أَرض صلبة فَنَادَى سراقَة يَا مُحَمَّد ادْع اللَّهِ أَن يخلصني وَلَك عَليّ لأعمين على من ورائي فَدَعَا لَهُ فخلص.
ثمَّ أخبرهُ سراقَة بِمَا ضمن لَهُ قومه عِنْد ظفره بِهِ وَسَأَلَ موادعته فوادعه وَكتب لَهُ بِهِ كتابا فَأَتَاهُ عَام الْفَتْح وَأسلم وَقَالَ لَهُ كَيفَ بك يَا سراقَة إِذا سورت بِسوَارِي كسْرَى برويز، قلت: فلبسهما فِي زمن عمر رَضِي اللَّهِ عَنهُ. وَبلغ ذَلِك أَبَا جهل فَقَالَ:
(بني مُدْلِج أَنِّي أخال سفيهكم ... سراقَة يستغوي لنصر مُحَمَّد)
(عَلَيْكُم بِهِ أَن لَا يفرق جمعكم ... فنصبح شَتَّى بعد عز وسؤدد)
فَقَالَ لَهُ سراقَة:
(أَبَا حكم وَالله لَو كنت شَاهدا ... لأمر جوادي حَيْثُ ساخت قوائمه)
(علمت وَلم تشكك بِأَن مُحَمَّدًا ... رَسُول وبرهان فَمن ذَا يكاتمه)
وَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي اللَّهِ عَنهُ:
(وَقد زَاد نَفسِي واطمأنت وَآمَنت ... بِهِ الْيَوْم مَا لاقي جواد ابْن مُدْلِج)
(سراقَة إِذْ يَبْغِي علينا بكيده ... على أعوجي كالهراوة مدمج)
(فَقَالَ رَسُول اللَّهِ يَا رب اغنه ... فمهما تشا من مفظع الْأَمر تفرج)
(فساخت بِهِ فِي الأَرْض حَتَّى تغيبت ... حَوَافِرِهِ فِي بطن وَاد مفجع)
(فأغناه رب الْعَرْش عَنَّا ورده ... وَلَوْلَا دفاع اللَّهِ لم يتعرج)
ومروا على خَيْمَتي أم معبد الْخُزَاعِيَّة فَسَأَلُوهَا تَمرا وَلَحْمًا يشترونه فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا من ذَلِك شَيْئا فَنظر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة فَقَالَ: مَا هَذِه؟ قَالَت شَاة: خلفهَا الْجهد