وفيهَا: مَاتَ أشناس التركي بعد ابْن طَاهِر بِتِسْعَة أَيَّام.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا مَاتَ الْمُغنِي مُخَارق، وَأَبُو يَعْقُوب بن يُوسُف بن يحيى الْبُوَيْطِيّ صَاحب الشَّافِعِي مَحْبُوسًا فِي محنة النَّاس بِالْقُرْآنِ وَلم يجب إِلَى القَوْل بِأَنَّهُ مَخْلُوق وَكَانَ من الصَّالِحين، وبويط: من قرى مصر.
وفيهَا: توفّي ابْن الْأَعرَابِي مُحَمَّد بن زِيَاد الْكُوفِي اللّغَوِيّ، وَأَبوهُ عبد سندي، أَخذ الْأَدَب عَن الْمفضل الضَّبِّيّ وَله كتب مِنْهَا: كتاب النَّوَادِر وَكتاب الأنواء وتاريخ الْقَبَائِل، ولد لَيْلَة وَفَاة أَبِيه حنيفَة سنة خمسين وَمِائَة، والأعرابي: مَنْسُوب إِلَى الْأَعْرَاب، يُقَال: رجل أَعْرَابِي إِذا كَانَ بدويا وَإِن لم يكن من الْعَرَب وَرجل عربى مَنْسُوب إِلَى الْعَرَب وَإِن لم يكن بدويا، وَيُقَال: رجل أعجم وأعجمي إِذا فِي لِسَانه عجمة وَإِن كَانَ من الْعَرَب وَرجل عجمي: مَنْسُوب إِلَى الْعَجم وَإِن كَانَ فصيحا.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا توفّي الواثق بِاللَّه أَبُو جَعْفَر هَارُون بن المعتصم لست بَقينَ من ذِي الْحجَّة بالاستسقاء أقعد فِي تنور مسخن فَوجدَ بِهِ خفَّة فعاوده وَأخرج فِي محفة فَمَاتَ فِيهَا وَدفن بالهاروني؛ نظر المنجمون فِي مولده عِنْد اشتداد مَرضه فقدروا أَنه يعِيش خمسين سنة مستأنفة فَعَاشَ عشرَة أَيَّام؛ كَانَ أَبيض مشربا بحمرة فِي عينه الْيُسْرَى نُكْتَة بَيَاض وخلافته خمس سِنِين وَتِسْعَة أشهر وَكسر وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة، وَلَقَد بَالغ فِي إكرام العلويين وَفرق فِي الْحَرَمَيْنِ أَمْوَالًا حَتَّى لم يبْق فيهمَا سَائل. وَلما بلغ أهل الْمَدِينَة مَوته كَانَت تخرج نِسَاؤُهُم إِلَى البقيع كل لَيْلَة وبندبن لفرط إحسانه، وَلَكِن أشبه أَبَاهُ المعتصم وَعَمه الْمَأْمُون فِي امتحان النَّاس بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم وألزمهم بالْقَوْل بخلقه وَأَن اللَّهِ لَا يرى فِي الْآخِرَة بالأبصار.
(أَخْبَار المتَوَكل بن المعتصم)
ثمَّ أَن كبراء الدولة ألبسوا مُحَمَّد بن الواثق قلنسوة ودراعة سَوْدَاء وَهُوَ أَمْرَد قصير وَأَرَادُوا بيعَته، فَلم يرَوا ذَلِك مصلحَة فَتَنَاظَرُوا فِيمَن يولونه، ثمَّ أحضروا المتَوَكل فَقَامَ أَحْمد ابْن أبي دؤاد وَألبسهُ الطَّوِيلَة وعممه وَقبل بَين عَيْنَيْهِ، فبويع المتَوَكل عاشرهم وَهُوَ جَعْفَر بن المعتصم يَوْم موت الواثق، وَعمر المتَوَكل يَوْمئِذٍ سِتّ وَعِشْرُونَ سنة.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ: فِيهَا قبض المتَوَكل على مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات وصادره وحبسه وعذبه بالتنور: وَكَانَ ابْن الزيات قد عمل تنور خشب فِيهِ مسامير حَدِيد أطرافها إِلَى دَاخل تمنع من فِيهِ من الْحَرَكَة وَلَا يقدر على الْجُلُوس، وَعَذَاب بِهِ ابْن أَسْبَاط الْمصْرِيّ، فعذبوا ابْن الزيات بتنوره الْمَذْكُور.