وَلما صَار لنوح خَمْسمِائَة سنة ولد لَهُ سَام وَحَام وَيَافث، ولمضي سِتّمائَة من عمر نوح كَانَ الطوفان لمضي أَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ واثنتين وَأَرْبَعين سنة من هبوط آدم.
(ذكر نوح وَولده)
من الْكَامِل، أرسل نوح إِلَى قومه، وَكَانُوا أهل أوثان على الْأَصَح بِدَلِيل:{لَا تذرن آلِهَتكُم وَلَا تَذَرُون ودا وَلَا سواعا} الْآيَة، وَصَارَ نوح يَدعُوهُم وَلَا يلتفتون، ويخنقونه حَتَّى يغشى عَلَيْهِ فَإِذا أَفَاق قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ، وَبَقِي لَا يَأْتِي قرن مِنْهُم إِلَّا أَخبث من الَّذِي قبله، وَكم ضربوه حَتَّى ظنُّوا مَوته فيفيق ويغتسل وَيقبل يَدعُوهُم.
فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ شكا إِلَى اللَّهِ فَأوحى إِلَيْهِ:" أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن " فَلَمَّا يئس مِنْهُم دَعَا عَلَيْهِم {رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} . فَأوحى اللَّهِ إِلَيْهِ أَن يصنع السَّفِينَة، وصاروا يسخرون مِنْهُ وَيَقُولُونَ: يَا نوح قد صرت نجارا بعد النُّبُوَّة، صنعها من خشب الساج.
فَلَمَّا فار التَّنور - وَكَانَ هُوَ الْآيَة بَين نوح وَبَين ربه عز وَجل - حمل نوح من أمره اللَّهِ بِحمْلِهِ وَمِنْهُم أَوْلَاده سَام وَحَام وَيَافث وَنِسَاؤُهُمْ، وَقيل: حمل أَيْضا سِتَّة أناسي، وَقيل: ثَمَانِينَ رجلا أحدهم جرهم كلهم من بني شِيث، ثمَّ أَدخل مَا أمره اللَّهِ من الدَّوَابّ، وتخلف عَن نوح ابْنه يام كَافِرًا. وارتفع المَاء وطما. {وَهِي تجْرِي بهم فِي موج كالجبال} وَعلا المَاء على رُؤُوس الْجبَال خَمْسَة عشر ذِرَاعا فَهَلَك مَا على وَجه الأَرْض من حَيَوَان ونبات، وبينما أرسل المَاء وغاض سِتَّة أشهر وَعشر لَيَال، وَقيل: كَانَ ركُوب نوح فِي السَّفِينَة لعشر لَيَال مَضَت من رَجَب لعشر خلت من آب، وَخرج من السَّفِينَة يَوْم عَاشُورَاء من الْمحرم، واستقرت على الجودي من أَرض الْموصل.