على أَنه كَانَ لما نظمها عَالما حائرا ومذبذبا نافرا، يقر فيهمَا أَن الْحق قد خفى عَلَيْهِ وَيَوَد لَو ظفر بِالْيَقِينِ فَأَخذه بكلتا يَدَيْهِ كَمَا قَالَ فِي مرثية أَبِيه:
(طلبت بَقينَا من جُهَيْنَة عَنْهُم ... وَلم تُخبرنِي يَا جهين سوى ظن)
(فَإِن تعهديني لَا أَزَال مسائلا ... فَإِنِّي لم أعْط الصَّحِيح فأستغني)
ثمَّ وقفت لَهُ على كتاب ضوء السقط الَّذِي أملاه على الشَّيْخ أبي عبد اللَّهِ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيّ الَّذِي لَازم الشَّيْخ إِلَى أَن مَاتَ ثمَّ أَقَامَ بحلب يروي عَنهُ كتبه، فَكَانَ هَذَا الْكتاب عِنْدِي مصلحا لفساده، موضحا لرجوعه إِلَى الْحق وَصِحَّة أعتقاده، فَإِنَّهُ كتاب يحكم بِصِحَّة إِسْلَامه مأولا، ويتلوا لمن وقف عَلَيْهِ بعد كتبه الْمُتَقَدّمَة وللآخرة خير لَك من الأولى، فَلَقَد ضمن هَذَا الْكتاب مَا يثلج الصَّدْر ويلذ السّمع ويقر الْعين وَيسر الْقلب وَيُطلق الْيَد وَيثبت الْقدَم من تَعْظِيم رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خير بريته، والتقرب إِلَى اللَّهِ بمدائح الْأَشْرَاف من ذُريَّته، وتبجيل الصَّحَابَة وَالرِّضَا عَنْهُم، وَالْأَدب عِنْد ذكر مَا يلتقي مِنْهُم، وإيراد محَاسِن من التَّفْسِير، وَالْإِقْرَار بِالْبَعْثِ والإشفاق من الْيَوْم العسير وتضليل من أنكر الْمعَاد، وَالتَّرْغِيب فِي أذكار اللَّهِ والأوراد، والخضوع للشريعة المحمدية وتعظيمها، وَهُوَ خَاتمه كتبه والأعمال بخواتيمها، وَقد يعْذر من ذمه واستحل شَتمه، فَإِنَّهُ عول على مبادىء أمره وأوسط شعره، ويعذر من أحبه وَحرم سبه، فَإِنَّهُ اطلع على صَلَاح سره وَمَا صَار إِلَيْهِ فِي آخر عمره من الْإِنَابَة الَّتِي كَانَ أَهلهَا، وَالتَّوْبَة الَّتِي تجب مَا قبلهَا، وَكَانَ يَقُول رَحمَه اللَّهِ: أَنا شيخ مَكْذُوب عَلَيْهِ.
وَلَقَد أغرت بِهِ حساده وَزِير حلب فَجهز لإحضاره خمسين فَارِسًا ليَقْتُلهُ فأنزلهم أَبُو الْعَلَاء فِي مجْلِس لَهُ بالمعرة، فَاجْتمع بَنو عَمه إِلَيْهِ وتألموا لذَلِك، فَقَالَ: إِن لي رَبًّا يَمْنعنِي، ثمَّ قَالَ كلَاما مِنْهُ مَا لم يفهم وَقَالَ: الضيوف الضيوف الْوَزير الْوَزير، فَوَقع الْمجْلس على الْخمسين فَارِسًا فماتوا، وَوَقع الْحمام على الْوَزير بحلب فَمَاتَ، فَمن النَّاس من زعم أَنه قَتلهمْ بدعائه وتهجده، وَمِنْهُم من زعم أَنه قَتلهمْ بسحره ورصده.
وَوضع أَبُو طَاهِر الْحَافِظ السلَفِي كتابا فِي أخباتر أبي الْعَلَاء، وَقَالَ فِيهِ مُسْندًا عَن القَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ رَحمَه اللَّهِ: كتبت إِلَى أبي الْعَلَاء المعري حِين وافى بَغْدَاد وَقد كَانَ نزل فِي سويقه غَالب:
(وَمَا ذَات در لَا يحل لحالب ... تنَاوله وَاللَّحم مِنْهَا مُحَلل)
(لمن شَاءَ فِي الْحَالين حَيا وَمَيتًا ... وَمن رام شرب الدرج فَهُوَ مضلل)
(إِذا طعنت فِي السن فاللحم طيب ... وآكله عِنْد الْجَمِيع معقل)
(وخرقانها للْأَكْل فِيهَا كزازة ... فَمَا لحصيف الرَّأْي فِيهِنَّ مأكل)
(وَمَا يجتني مَعْنَاهُ إِلَّا مبرز ... عليم بأسرار الْقُلُوب مُحَصل)
فَأَجَابَنِي وأملى عَليّ الرَّسُول فِي الْحَال:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute