(أَخْبَار أبي بكر الصّديق وخلافته رَضِي اللَّهِ عَنهُ)
وَلما قبض اللَّهِ نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ عمر: من قَالَ إِن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَاتَ عَلَوْت رَأسه بسيفي هَذَا وَإِنَّمَا ارْتَفع إِلَى السَّمَاء، فَقَرَأَ أَبُو بكر {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم} فَرجع الْقَوْم إِلَى قَوْله.
وَبَادرُوا " سَقِيفَة بني سَاعِدَة " فَبَايع عمر أَبَا بكر وأنثال النَّاس يبايعونه فِي الْعشْر الْأَوْسَط من ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة خلا جمَاعَة من بني هَاشم، وَالزُّبَيْر، وَعتبَة بن أبي لَهب، وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ، والمقداد بن عَمْرو، وسلمان الْفَارِسِي، وَأَبُو ذَر، وعمار بن يَاسر، والبراء بن عَازِب، وَأبي بن كَعْب، وَأَبُو سُفْيَان من بني أُميَّة؛ ومالوا مَعَ عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنْهُم وَقَالَ فِي ذَلِك عتبَة بن أبي لَهب:
(مَا كنت أَحسب أَن الْأَمر منصرف ... عَن هَاشم ثمَّ مِنْهُم عَن أبي حسن)
(عَن أول النَّاس إِيمَانًا وسابقة ... وَاعْلَم النَّاس بِالْقُرْآنِ وَالسّنَن)
(وَآخر النَّاس عهدا بِالنَّبِيِّ وَمن ... جِبْرِيل عون لَهُ فِي الْغسْل والكفن)
(من فِيهِ مَا فيهم لَا يمترون بِهِ ... وَلَيْسَ فِي الْقَوْم مالله فِيهِ من الْحسن)
وروى الزُّهْرِيّ عَن عَائِشَة أَن عليا لم يُبَايع حَتَّى مَاتَت فَاطِمَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا بعد سِتَّة أشهر لمَوْت أَبِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأرْسل عَليّ إِلَى أبي بكر فَأَتَاهُ فِي منزله فَبَايعهُ وَقَالَ عَليّ مَا نفسنا عَلَيْك مَا سَاقه اللَّهِ إِلَيْك من فضل وَخير وَلَكنَّا نرى إِن لنا فِي هَذَا الْأَمر شَيْئا فاستبددت بِهِ دُوننَا وَمَا ننكر فضلك.
وَلما اسْتخْلف أَبُو بكر كَانَ أُسَامَة بن زيد مبرزا، وَكَانَ عمر من جملَة جَيش أُسَامَة على مَا عينه رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ خرج أَبُو بكر إِلَى معسكر أُسَامَة واستحضهم وشيعهم وَهُوَ ماش وَأُسَامَة رَاكب فَقَالَ أُسَامَة: يَا خَليفَة رَسُول اللَّهِ وَالله لتركبن أَو لأنزلن فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله لَا تنزلن وَلَا ركبت وَمَا عَليّ أَن أغبر قدمي سَاعَة فِي سَبِيل اللَّهِ، وَلما أَرَادَ الرُّجُوع قَالَ أَبُو بكر لأسامة إِن رَأَيْت أَن تعينني بعمر فافعل، فَأذن أُسَامَة لعمر فِي الْمقَام.
وَفِي أَيَّام أبي بكر رَضِي اللَّهِ عَنهُ " ادَّعَت سجَاح بنت الْحَارِث بن سُوَيْد التميمة النُّبُوَّة " واتبعهما بَنو تَمِيم وأخوالها من تغلب وَغَيرهم من بني ربيعَة، وقصدت مُسَيْلمَة الْكذَّاب وَلما وصلت إِلَيْهِ قصدت الِاجْتِمَاع بِهِ فَقَالَ لَهَا ابعدي أَصْحَابك فَفعلت فَضرب لَهَا قبَّة مبخرة فَقَالَت لَهُ: مَاذَا أُوحِي إِلَيْك، وَقَالَ: مَاذَا أُوحِي إِلَيْك فَكل مِنْهَا أبدى منطقا ركيكا سمجا بَارِدًا، وأنشدها شعرًا.
قلت: حذفت مَا قَالَاه وحذفت الشّعْر لقبحه وصنت هَذَا الْكتاب، وَالله أعلم. فأقامت عِنْده ثَلَاثًا ثمَّ انصرفت وَلم تزل فِي أخوالها من تغلب حَتَّى نفاهم مُعَاوِيَة عَام بُويِعَ فَأسْلمت سجَاح وَمَاتَتْ بِالْبَصْرَةِ.
وَفِي أَيَّامه أَيْضا " قتل مُسَيْلمَة الْكذَّاب " أرسل أَبُو بكر خَالِدا بِجَيْش فقاتل مُسَيْلمَة