الْحرم فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أول دَاخل فَقَالُوا هَذَا الْأمين وعمره إِذْ ذَاك خمس وَثَلَاثُونَ سنة فحكموه فَأَمرهمْ بِوَضْع الْحجر الْأسود فِي وسط عباءة ثمَّ أَمر كل قَبيلَة أَن يَأْخُذُوا بِطرف من العباءة حَتَّى انْتَهوا بِهِ إِلَى مَوضِع الرُّكْن فَأَخذه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَوَضعه فِي مَوْضِعه.
ثمَّ أَتموا بِنَاء الْكَعْبَة وَكَانَت تُكْسَى الْقبَاطِي ثمَّ كُسِيت البرود وَأول من كساها الديباج الْحجَّاج بن يُوسُف.
وَلما بلغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْبَعِينَ سنة بَعثه اللَّهِ إِلَى الْأسود والأحمر رَسُولا نَاسِخا بِشَرِيعَتِهِ الشَّرَائِع الْمَاضِيَة فَأول مَا ابتدىء بِهِ من النُّبُوَّة الرُّؤْيَا الصادقة وحبب اللَّهِ إِلَيْهِ الْخلْوَة وَكَانَ يجاور فِي جبل حراء من كل سنة شهرا فَفِي سنة مبعثة خرج بأَهْله فِي رَمَضَان إِلَى حراء للمجاورة فِيهِ حَتَّى إِذا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي أكْرمه اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا جَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ لَهُ اقْرَأ: قَالَ لَهُ فَمَا أَقرَأ قَالَ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} إِلَى قَوْله تَعَالَى {علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم}
فقرأها ثمَّ خرج إِلَى وسط الْجَبَل فَسمع صَوتا من جِهَة السَّمَاء يَا مُحَمَّد أَنْت رَسُول اللَّهِ وَأَنا جِبْرِيل فَبَقيَ وافقا فِي مَوْضِعه يُشَاهد جِبْرِيل حَتَّى انْصَرف جِبْرِيل ثمَّ انْصَرف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَحكى لِخَدِيجَة مَا رأى فَقَالَت: أبشر فوالذي نفس خَدِيجَة بِيَدِهِ إِنِّي لأرجو أَن تكون نَبِي هَذِه الْأمة، ثمَّ أَتَت خَدِيجَة ابْن عَمها ورقة بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي وَكَانَ شَيخا كَبِيرا.
قلت: وَكَانَ ورقة قد عمي وَتَنصر فِي الْجَاهِلِيَّة وَكتب من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالله أعلم فَلَمَّا ذكرت خَدِيجَة لورقة أَمر جِبْرِيل وَمَا رأى ميسرَة فَقَالَ ورقة: إِنَّه ليَأْتِيه الناموس الْأَكْبَر.
قلت: وَأخْبرهُ أَيْضا رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ ورقة هَذَا الناموس الَّذِي أنزل على مُوسَى يَا لَيْتَني أكون فِيهَا جذعا حِين يخْرجك قَوْمك فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَو مخرجي هم "؟ فَقَالَ ورقة: نعم لم يَأْتِ قطّ بِمثل مَا جِئْت بِهِ أحد إِلَّا عودي وأوذي وَإِن يدركني يَوْمك أنصرك نصرا مؤزرا وَقَالَ ورقة فِي ذَلِك أبياتا مِنْهَا:
(وَوصف من خَدِيجَة بعد وصف ... فقد طَال انتظاري يَا خديجا)
(بِمَا أخْبرته من قَول قس ... من الرهبان يكره أَن يصوجا)
(بِأَن مُحَمَّدًا سيسود يَوْمًا ... ويخصم من يكون لَهُ حجيجا)
(وَيظْهر فِي الْبِلَاد ضِيَاء نور ... يُقيم بِهِ الْبَريَّة أَن تموجا)
(أَلا يَا لَيْتَني إِن كَانَ ذَا كم ... شهِدت وَكنت أَوَّلهمْ ولوجا)
(ولوجا فِي الَّذِي كرهت قُرَيْش ... وَلَو عجت بمنكبها عجيجا)
وَقَالَ أَيْضا:
(يَا للرِّجَال لصرف الْهم وَالْقدر ... وَمَا لشَيْء قَضَاهُ اللَّهِ من غير)
(حَتَّى خَدِيجَة تَدعُونِي لأخبرها ... أمرا أرَاهُ سَيَأْتِي النَّاس عَن أثر)
(فخبرتني بِأَمْر قد سَمِعت بِهِ ... فِيمَا مضى من قديم النَّاس وَالْعصر)