يزدجرد إِلَى بَلخ ثمَّ هزموه فَعبر نهر جيحون وَأبي صلح الْمُسلمين فطرده عسكره وصالحوا الْمُسلمين وبقوا بأماكنهم وَسَار يزدجرد مَعَ ملك التّرْك فِي حاشيتته وَأقَام بفرغانة زمن عمر كُله.
وفيهَا توفّي أبي بن كَعْب بن قيس من ولد مَالك بن النجار ويكنى أَبَا الْمُنْذر أَمر اللَّهِ نبيه أَن يقْرَأ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَقَالَ: " اقْرَأ أمتِي أبي بعدِي "، وَقيل توفّي سنة ثَلَاثِينَ فِي خلَافَة عمر رَضِي اللَّهِ عَنْهُمَا.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَعشْرين: فِيهَا طعن أَبُو لؤلؤة فَيْرُوز عبد الْمُغيرَة بن شُعْبَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فِي خاصرته وَتَحْت سرته لست بَقينَ من ذِي الْحجَّة.
قلت: وَكَانَ أَبُو لؤلؤة نَصْرَانِيّا.
" وَتُوفِّي عمر " يَوْم السبت سلخ ذِي الْحجَّة وَدفن يَوْم الْأَحَد هِلَال الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين وَمُدَّة خِلَافَته عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام، وَدفن عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأبي بكر رَضِي اللَّهِ عَنْهُمَا.
قلت: مر يَوْمًا عمر بن الْخطاب رَضِي اللَّهِ عَنهُ على رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يزَال بَيْنكُم وَبَين الْفِتْنَة بَاب شَدِيد الغلق مَا دَامَ هَذَا بَين أظْهركُم فَإِذا فارقكم انْفَتح ذَلِك الْبَاب " فَكَانَ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَن الْفِتْنَة كلهَا نجمت بعد مَقْتَله وناحت الْجِنّ عَلَيْهِ قبل مَقْتَله بِثَلَاث فَقَالَت:
(أبعد قَتِيل بِالْمَدِينَةِ أَصبَحت ... لَهُ الأَرْض تهتز الْعضَاة بأسواق)
(جزا اللَّهِ خيرا من أَمِير وباركت ... يَد اللَّهِ فِي ذَاك الْأَدِيم الممزق)
(فَمن يسع أَو يركب جناحي نمعامة ... ليدرك مَا قَدمته الْيَوْم يسْبق)
(قضيت أمورا ثمَّ غادرت بعْدهَا ... بوائق فِي أكمامها لم تفتق)
(وَمَا كنت أخْشَى أَن تكون وَفَاته ... بكفي شقي أَزْرَق الْعين مطرق)
وَنسب بَعضهم هَذِه الأبيات إِلَى مزرد بن ضرار، وَالله اعْلَم.
وعهد بالخلافة إِلَى النَّفر الَّذين مَاتَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ عَنْهُم رَاض وهم عَليّ وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد بعد أَن عرضهَا على عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فأبي. وَكَانَ عمر طَوِيل الْقَامَة أَبيض أصلع أشيب وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ وَقيل سِتُّونَ وَقيل خمس وَخَمْسُونَ وفضله وعدله وزهده مَشْهُور حرس بِنَفسِهِ لَيْلَة قفلا نزلُوا بِنَاحِيَة السُّوق هُوَ وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَهُوَ أول من كتب التَّارِيخ وَأول من عس بِاللَّيْلِ وَأول من نهى عَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَأول من جمع على صَلَاة الْجِنَازَة بِأَرْبَع تَكْبِيرَات، وَكَانُوا من قبل يكبرُونَ أَرْبعا وخمسا وستا، وَأول من جمع على إِمَام يُصَلِّي التَّرَاوِيح، وَأول من ضرب بِالدرةِ وَدون الدَّوَاوِين وخطب مرّة وَعَلِيهِ إِزَار فِيهِ اثْنَتَا عشرَة رقْعَة وَمر فِي بعض حجاته بضجنان فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ الْمُعْطِي من شَاءَ مَا شَاءَ كنت أرعى إبل الْخطاب فِي هَذَا الْوَادي وَكَانَ